فيعلم بهذا أنه إذا كان قلتين لا يجوز استعماله بفقد الشرط وهو التباعد فالجواب أن أبا إسحاق يقول هنا لا يجوز استعماله وإن جوزناه هناك لمعنى هنا وهو ما علل به فرع ذكر المصنف أبا إسحاق وابن القاص فأما أبو إسحاق فهو المروزي واسمه إبراهيم بن أحمد وهو صاحب أبي العباس بن سريج انتهت إليه رياسة بغداد في العلم وشرح المختصر وصنف في الأصول والفروع وعنه وعن أصحابه انتشر فقه الشافعي في الأقطار وهو جدنا في التفقه فإنه أحد أركان سلسلة تفقه الشافعية توفي بمصر سنة أربعين وثلثمائة وأما أبو العباس بن القاص بتشديد الصاد المهملة فاسمه أحمد بن أبي أحمد إمام جليل وهو صاحب ابن سريج أيضا وعنه أخذ الفقه أهل طبرستان صنف كتبا كثيرة ك التلخيص والمفتاح وأدب القاضي والمواقيت والقبلة وغيرها توفي بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلثمائة رحمه الله قال المصنف رحمه الله تعالى وإن كان الماء جاريا وفيه نجاسة كالميتة والجرية المتغيرة فالماء الذي قبلها طاهر لأنه لم يصل إلى النجاسة فهو كالماء الذي يصب على النجاسة من إبريق والذي بعدها طاهر أيضا لأن لم تصل إليه النجاسة وأما ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها فإن كان قلتين ولم يتغير فهو طاهر وإن كان دونهما فنجس كالراكد وقال أبو العباس بن القاص فيه قول آخر قاله في القديم أنه لا ينجس الماء الجاري إلا بالتغير لأنه ماء ورد على النجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء المزال به النجاسة وإن كانت النجاسة واقفة والماء يجري عليها فإن ما قبلها وما بعدها طاهر وما يجري عليها إن كان قلتين فهو طاهر وإن كان دونهما نجس وكذا كل ما يجري عليها بعدها فهو نجس ولا يطهر شيء من ذلك حتى يركد في موضع ويبلغ قلتين وقال أبو إسحاق وأبو العباس بن القاص والقاضي أبو حامد ما لم يصل إلى الجيفة فهو طاهر والماء الذي بعد الجيفة يجوز أن يتوضأ منه إذا كان بينه وبين الجيفة قلتان والأول أصح لأن لكل جرية حكم نفسها فلا يعتبر فيه القلتان الشرح هذا الفصل كله ذكره أصحابنا كما ذكره المصنف ورجحوا ما رجحه إلا أن إمام الحرمين والغزالي والبغوي اختاروا فيما إذا كانت النجاسة مائعة مستهلكة لا ينجس الماء وإن كان كل جرية دون قلتين وهذا غير القول القديم الذي حكاه ابن القاص فإن ذلك لا فرق فيه بين النجاسة الجامدة والمائعة واحتج الإمام الغزالي لهذا بأن الأولين لم يزالوا يتوضؤون من الأنهار الصغيرة أسفل من المستنجين وهذا الذي اختاره قوي وأجاب