اختلفت أفعال الصدر الأول في ذلك وهو كالاختلاف في الأذان والإقامة قال أبو حاتم بن حبان هذا عندي من الاختلاف المباح والجهر أحب إلى فعلى هذا قول من روى لم يقرأ أي لم يجهر ولم أسمعهم يقرأون أي يجهرون الطريقة الخامسة أن يقال نطق أنس بكل هذه الألفاظ المروية في مجالس متعددة بحسب الحاجة إليها في الاستدلال والبيان فإن قيل هلا حملتم حديث أنس رضي الله عنه على أن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الجهر بدليل أنه حكى ذلك عن الخلفاء بعده قلنا منع ذلك أن الجهر مروي عن أنس من فعله كما سبق من حديث المعتمر عن أبيه عن أنس فلا يختار أنس لنفسه إلا ما كان آخر الأمرين قال أبو محمد وإن رمنا ترجيح الجهر فيما نقل أنس قلنا هذه الرواية التي انفرد بها مسلم المصرحة بحذف البسملة أو بعدم الجهر بها قد عللت وعورضت بأحاديث الجهر الثابتة عن أنس والتعليل يخرجها من الصحة إلى الضعف لأن من شرط الصحيح أن لا يكون شاذا ولا معللا وإن اتصل سنده بنقل عدل ضابط عن مثله فالتعليل يضعفه لكونه اطلع فيه على علة خفية قادحة في صحته كاشفة عن وهم لبعض رواته ولا ينفع حينئذ إخراجه في الصحيح لأنه في نفس الأمر ضعيف وقد خفي ضعفه وقد تخفى العلة على أكثر الحفاظ ويعرفها الفرد منهم فكيف والأمر هنا بالعكس ولهذا امتنع البخاري وغيره من إخراجه وقد علل حديث أنس هذا بثمانية أوجه ذكرها أبو محمد مفصلة وقال الثامن فيها أن أبا سلمة سعيد بن زيد قال سألت أنسا أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك رواه أحمد بن حنبل في مسنده وابن خزيمة في كتابه والدارقطني في سننه وقال إسناده صحيح وهذا دليل على توقف أنس وعدم جزمه بواحد من الأمرين وروي عنه الجزم بكل واحد منهما فاضطربت أحاديثه وكلها صحيحة فتعارضت فسقطت وإن ترجح بعضها فالترجيح الجهر لكثرة أحاديثه ولأنه إثبات فهو مقدم على النفي ولعل النسيان عرض له بعد ذلك قال ابن عبد البر من حفظ عنه حجة على من سأله في حال نسيانه والله أعلم وأما الجواب عن حديث ابن عبد الله بن مغفل فقال أصحابنا والحفاظ هو حديث