نرجح بعض ألفاظ هذه الروايات المختلفة على باقيها ونرد ما خالفها إليها فلا نجد الرجحان إلا للرواية التي على لفظ حديث عائشة أنهم كانوا يفتتحون بالحمد لله أي بالسورة وهذه طريقة الإمام الشافعي ومن تبعه لأن أكثر الرواة على هذا اللفظ ولقوله في رواية الدارقطني بأم القرآن فكأن أنسا أخرج هذا الكلام مستدلا به على من يجوز قراءة غير الفاتحة أو يبدأ بغيرها ثم افترقت الرواة عنه فمنهم من أداه بلفظه فأصاب ومنهم من فهم منه حذف البسملة فعبر عنه بقوله كانوا لا يقرأون أو فلم أسمعهم يقرأون البسملة ومنهم من فهم الإسرار فعبر عنه فإن قيل إذا اختلفت ألفاظ روايات حديث قضى المبين منها على المجمل فإن سلم أن رواية يفتتحون محتملة فرواية لا يجهرون تعين المراد قلنا ورواية بأم القرآن تعين المعنى الآخر فاستويا وسلم لنا ما سبق من الأحاديث المصرحة بالجهر عن أنس وغيره وتلك لا تحتمل تأويلا وهذه أمكن تأويلها بما ذكرناه فأولت وجمع بين الروايات وألفاظها الطريقة الثالثة أن يقال ليس في هذه الروايات ما ينافي أحاديث الجهر الصحيحة السابقة أما الرواية المتفق عليها فظاهرة وأما قوله لا يجهرون فالمراد به نفي الجهر الشديد الذي نهى الله تعالى عنه بقوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك الإسراء فنفى أنس رضي الله عنه الجهر الشديد دون أصل الجهر بدليل أنه هو روى الجهر في حديث آخر وأما رواية من روى يسرون فلم يرد حقيقة الإسرار وهذه طريقة الإمام أبي بكر بن خزيمة وإنما أراد بقوله يسرون التوسط المأمور به الذي هو بالنسبة إلى الجهر المنهي عنه كالإسرار واختار هذا اللفظ مبالغة في نفي الجهر الشديد المنهي عنه وهذا معنى ما روي عن ابن عباس أنه قال الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قراءة الأعراب أراد الجهر الشديد قراءة الأعراب لجفائهم وشدتهم لأن ابن عباس ممن رأى الجهر بالبسملة كما سبق الطريقة الرابعة رجحها الإمام ابن خزيمة وهي رد جميع الروايات إلى معنى أنهم كانوا يسرون بالبسملة دون تركها وقد ثبت الجهر بها بالأحاديث السابقة عن أنس وكأن أنسا بالغ في الرد على من أنكر الجهر والإسرار بها فقال أنا صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه فرأيتهم يسرون بها أي وقع ذلك منهم مرة أو مرات لبيان الجواز ولم يرد الدوام بدليل ما ثبت عنه من الجهر رواية وفعلا كما سبق فتكون أحاديث أنس قد دلت على جواز الأمرين ووقوعهما من النبي صلى الله عليه وسلم وهما الجهر والإسرار ولهذا