سهو الغافلين والميم مغفرته للمذنبين .
وقال بعض الصوفية الله لأهل الصفاء الرحمن لأهل الوفاء الرحيم لأهل الجفاء .
والحكمة في أن الله سبحانه وتعالى جعل افتتاح البسملة بالباء دون غيرها من الحروف وأسقط الألف من اسم وجعل الباء في مكانها أن الباء حرف شفوي تنفتح به الشفة ما لا تنفتح بغيره ولذلك كان أول انفتاح فم الذرة الإنسانية في عهد ألست بربكم بالباء في جواب بلى وأنها مكسورة أبدا .
فلما كانت فيها الكسرة والانكسار في الصورة والمعنى وجدت شرف العندية من الله تعالى كما قال أنا عند المنكسرة قلوبهم بخلاف الألف فإن فيها ترفعا وتكبرا وتطاولا فلذلك أسقطت .
وخصت التسمية بلفظ الجلالة ولفظ الرحمن ولفظ الرحيم ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في جميع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها .
فيتوجه العارف بجملته حرصا ومحبة إلى جناب القدس ويتمسك بحبل التوفيق ويشتغل سره بذكره والاستمداد به عن غيره .
والكلام على البسملة من الأسرار والعجائب واللطائف لا يدخل تحت حصر .
وفي هذا القدر كفاية وبالله التوفيق .
( قوله الحمد لله ) آثره على الشكر اقتداء بالكتاب العزيز ولقوله صلى الله عليه وسلم لا يشكر الله من لم يحمده .
والحمد معناه اللغوي الثنا بالجميل لأجل جميل اختياري سواء كان في مقابلة نعمة أم لا .
ومعناه العرفي فعل ينبىء عن تعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره .
والشكر لغة هو الحمد العرفي وعرفا صرف العبد جيمع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله أي أن يصرف جميع الأعضاء والمعاني التي أنعم الله عليه بها في الطاعات التي طلب استعمالها فيها فإن استعملها في أوقات مختلفة سمى شاكرا أو في وقت واحد سمي شكورا وهو قليل لقوله تعالى ! < وقليل من عبادي الشكور > ! .
وصور ذلك العلامة الشبراملسي بمن حمل جنازة متفكرا في مصنوعات الله ناظرا لما بين يديه لئلا يزل بالميت ماشيا برجليه إلى القبر شاغلا لسانه بالذكر وأذنيه باستماع ما فيه ثواب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وأقسام الحمد أربعة حمدان قديمان وهما حمد الله نفسه نحو الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وحمده بعض عباده كقوله تعالى في أيوب ! < نعم العبد إنه أواب > ! .
وحمدان حادثان وهما حمدنا له تعالى وحمد بعضنا لبعض .
وينقسم الحمد إلى واجب كالحمد في الصلاة وفي خطبة الجمعة وإلى مندوب كالحمد في خطبة النكاح وفي ابتداء الدعاء وبعد الأكل والشرب وفي ابتداء الكتب المصنفة وفي ابتداء درس المدرسين وقراءة الطالبين بين يدي المعلمين .
وإلى مكروه كالحمد في الأماكن المستقذرة كالمجزرة والمزبلة ومحل الحاجة .
وإلى حرام كالحمد عند الفرح بالوقوع في معصية .
واعلم أنه جاء في فضل الحمد أحاديث كثيرة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يحب أن يحمده .
وأخرج الديلمي مرفوعا أن الله يجب الحمد يحمد به ليثيب حامده وجعل الحمد لنفسه ذكرا ولعباده ذخرا .
وفي البدر المنير عنه عليه السلام حمد الله أمان للنعمة من زوالها .
وعنه صلى الله عليه وسلم من لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه .
وأفضل المحامد أن يقول العبد الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافيء مزيده .
لما ورد أن الله تعالى لما أهبط أبانا آدم إلى الأرض قال يا رب علمني المكاسب وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد .
فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا عند كل صباح ومساء الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده .
ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك .
وقال بعض العارفين الحمد لله ثمانية أحرف كأبواب الجنة فمن قالها عن صفاء قلب استحق أن يدخل الجنة من أيها شاء .
أي فيخير بينها إكراما له ولكن لا يختار إلا الذي سبق في علمه أن يدخل منه .
( قوله الفتاح ) هو من أسماء الله الحسنى .
وهو من صيغ المبالغة ومعناه الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية .
وقيل الحاكم بين الخلائق من