فأن استأجره على أن يذهب بكتاب له إلى مكان كذا فيدفعه إلى فلان فذهب به فوجده قد مات أو تحول إلى بلد آخر فرد الكتاب فلا شيء له وإن لم يرد الكتاب فله الأجر بحساب ذهابه معنى هذا أنه استأجره ليذهب بالكتاب إلى فلان ويأتيه بالجواب فإذا ذهب به ولم يرد الكتاب ولم يأته بالجواب فهو في الذهاب عامل للمستأجر ساع في تحصيل مقصوده وليس بعامل في الرجوع فيستحق حصة الذهاب من الأجر وإن رد الكتاب فلا شيء له في قول أبي حنيفة لأنه فوت على المستأجر ما يحصل له من المقصود حين رد كتابه إليه فخرج من أن يكون عاملا له في الذهاب وعلى قول محمد له أجر الذهاب لأنه ليس للكتاب حمل ومؤنة وإنما يستوجب الأجر باعتبار ذهابه بنفسه وقد ذهب فقد تقرر حقه في أجر الذهاب فلا يسقط ذلك بعوده رد الكتاب أو لم يرده ولكنا نقول هو لا يستوجب الأجر بمجرد الذهاب من غير اعتبار الكتاب ( ألا ترى ) أنه لو ترك الكتاب في أهله وذهب بنفسه لم يكن له أجر فكذلك إذا رد الكتاب معه وقول أبي يوسف في المسألة مضطرب وإن استأجره ليحمل له طعاما إلى مكان كذا فيدفعه إلى فلان فوجد فلانا قد مات فرجع بالطعام إلى الذي استأجره فلا أجر له عندنا وقال زفر رحمه الله له الأجر وهو غاصب في رد الطعام الذي استأجره ضامن أن هلك في يده لأنه لما حمل الطعام إلى ذلك المكان فقد أوفى العمل المشروط وما كان البدل بمقابلته فتقرر حقه في الأجر وانتهى العقد نهايته ثم هو في الرجوع بالطعام غاصب كأجنبي آخر فيكون ضامنا له إن هلك وبغصبه لا يبطل حقه فيما تقرر من الأجر ولكنا تقول البدل بمقابلة حمل الطعام إلى ذلك المكان وقد فسخ ذلك حين رجع بالطعام وفوت المعقود عليه قبل التسليم إلى المشتري وإن استودع الطعام رجلا في تلك البلاد فهلك الطعام فهو ضامن له لأنه مخالف في الدفع إلى الأجنبي وهو بمنزلة الأمين في ذلك الطعام ما لم يدفعه إلى فلان والمودع إذا أودع الوديعة رجلا آخر كان ضامنا إذا هلك في يد المودع الثاني وإذا صار ضامنا كان هذا وما لو استهلك الطعام سواء ولصاحبه الخيار إن شاء ضمنه قيمته في المكان الذي حمله منه ولا أجر له أو في المكان الذي استودعه وله الأجر وهذا نظير مسألة الدن إذا تعمد كسره وإنما الشبهة هنا في أنه اعتبر القيمة والطعام من ذوات الأمثال وإنما ينبغي أن يقال يضمنه مثله في المكان الذي حمله منه ولا أجر له أو في المكان الذي استودعه وله الأجر إلا أن يكون عدديا متقاربا من الطعام كالبطيخ وغير ذلك فحينئذ يكون مضمونا بالقيمة