من كان مباحا له الإفطار في أول اليوم ظاهرا وباطنا لا يلزمه الإمساك فيه في بقية اليوم لأن وجوب الإمساك في يوم واحد لا يتجزأ كوجوب الصوم وعلى هذا الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمريض إذا بريء والمسافر إذا قدم مصره والمجنون إذا أفاق في بعض النهار لا يلزمهم الإمساك عنده بخلاف يوم الشك إذا تبين أنه من رمضان والمتسحر بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم به لأن الأكل كان مباحا له باطنا .
والأصل عندنا أن من صار في بعض النهار على صفة لو كان عليها في أول النهار يلزمه الصوم فعليه الإمساك في بقية النهار لأن الامساك مشروع خلفا عن الصوم عند فواته لقضاء حق الوقت ولأنه لو أكل ولا عذر به اتهمه الناس والتحرز عن مواضع التهمة واجب قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم وقال علي رضي الله تعالى عنه إياك وما يقع عند الناس إنكاره وفي رواية ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره فليس كل سامع نكرا يطيق أن يوسعه عذرا .
وإن أكلت لم يلزمها شيء لأن الامساك لحق الوقت وقد فات على وجه لا يمكن تداركه وعليها قضاء هذا اليوم مع سائر أيام الحيض لما روى أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها ما بال إحدانا تقضي صيام أيام الحيض ولا تقضي الصلاة فقالت أحرورية أنت كنا على عهد رسول صلى الله عليه وسلم نقضي صيام أيام الحيض ولا نقضي الصلاة ولأن الحرج عذر مسقط للقضاء كما أنه مسقط للأداء وفي قضاء خمسين صلاة في كل عشرين يوما حرج بين وليس في قضاء صوم عشرة أيام في إحدى عشر شهرا كبير حرج .
( قال ) ( ويقبل الصائم ويباشر إذا كان يأمن على نفسه ما سوى ذلك ) لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقبل وهو صائم وفي رواية كان يصيب من وجهها وهو صائم قالت وكان أملككم لأدبه أو لإربه فالأدب العضو والإرب الحاجة وجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله فقال أذنبت ذنبا فاستغفر لي قال وما ذنبك قال هششت إلى امرأتي وأنا صائم فقبلتها فقال أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان يضرك فقال لا قال فقم أذن وفيه إشارة إلى معنى بقاء ركن الصوم وانعدام اقتضاء الشهوة بنفس التقبيل فإن كان لا يأمن على نفسه فالتحرز أولى لما روي أن شابا سأل رسول الله عن القبلة للصائم فمنعه وسأل شيخ عن ذلك فأذن له فيه فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال رسول الله قد علمت لم نظر بعضكم