ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها .
وعن عمر أنه قضى بذلك في شبه العمد وقضاؤه كان بمحضر من الصحابة .
وأبو حنيفة وأبو يوسف احتجا بحديث السائب بن يزيد أن النبي عليه السلام قضى في الدية بمائة من الإبل أرباعا ومعلوم أنه لم يرد به الخطأ لأنها في الخطأ تجب أخماسا فعرفنا أن المراد به شبه العمد وقال في النفس المؤمنة مائة من الإبل والمراد به أدنى ما يكون منه وما قلناه أدنى .
والمعنى فيه أنه إنما تجب الدية عوضا عن المقتول والحامل لا يجوز أن تستحق في شيء من المعاوضات فكذلك لا تستحق في الدية لوجهين .
أحدهما أن صفة الحمل لا يمكن الوقوف على حقيقتها .
والثاني أن الجنين من وجه كالمنفصل فيكون هذا في معنى إيجاب الزيادة على المائة عددا وبالاتفاق صفة التغليظ ليست من حيث العدد بل من حيث السن ثم الديات تعتبر بالصدقات والشرع نهى عن أخذ الحوامل في الصدقات لأنها كرائم أموال الناس فكذلك في الديات وهذا لأن شبه العمد يجب على العاقلة بطريق الصلة منهم للقاتل بمنزلة الصدقات .
فأما الحديث الذي روي فلا يكاد يصح لأن ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع كان بمحضر من جماعة من الصحابة ولم يرو هذا الحديث إلا النعمان بن بشير وهو في ذلك الوقت كان في عداد الصبيان وقد خفي الحديث على كبار الصحابة حتى اختلفوا بينهم على أقاويل كما بينا ولم تجر المحاجة بينهم بالحديث فلو كان صحيحا لما اختلفوا مع هذا النص ولا احتج به بعضهم على بعض .
ومن أصل أبي حنيفة أن العام المتفق على قبوله أولى بالأخذ به من مثل هذا الخاص ولا خلاف أن صفة التغليظ في الدية لا تثبت إلا في أسنان الإبل وبه يستدل الشافعي على أن الأصل في الدية الإبل فقط .
ولكنا نقول ما عرفنا صفة التغليظ إلا بالنص فإن الدية بدل عن المتلف ولا يختلف التلف بالخطأ وشبه العمد وإنما نثبت صفة التغليظ بما ورد به الشرع خاصة .
قال ( وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جعل الدية على أهل الإبل مائة وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الحلل مائتي حلة والحلة اسم لثوبين وبه نأخذ ) فنقول الدية من الدراهم تتقدر بعشرة آلاف درهم مما تكون الفضة فيها غالبة على الغش وقد بينا ذلك في كتاب السرقة .
وقال مالك والشافعي من الدراهم اثنا عشر ألف درهم لحديث أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال من سبح في كل يوم وليلة مثل ديته اثني عشر ألف تسبيحة