! < من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا > ! 32 وقال النبي عليه السلام ألا أن أعباء الناس ثلاثة رجل قتل غير قاتل أبيه ورجل قتل قبل أن يدخل الجاهلية ورجل قتل في الحرم .
وقال في خطبته بعرفات ألا إن دماءكم ونفوسكم محرمة عليكم كحرمة يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا .
ولما قتل محلم بن جنامة رجلا من أهل الجاهلية قال النبي عليه السلام لا يرحم فدفن بعد موته فلفظته الأرض ثم دفن فلفظته الأرض فقال أما أنها تقبل من هو أعظم جرما منه ولكن الله أراكم حرمة القتل وفي قتل النفس إفساد العالم ونقض البنية ومثل هذا الفساد من أعظم الجنايات ومعلوم أن الجاني مأخوذ عن الجناية إلا أنه لو وقع الاقتصار على الزجر بالوعيد في الآخرة ما انزجر إلا أقل القليل فإن أكثر الناس إنما ينزجرون مخافة العاجلة بالعقوبة وذلك بما يكون متلفا للجاني أو مجحفا به فشرع الله القصاص والدية لتحقق معنى الزجر وهذا الكتاب لبيان ذلك وقد سماه محمد رحمه الله كتاب الديات لأن وجوب الدية بالقتل أعم من وجوب القصاص فإن الدية تجب في الخطأ وفي شبه العمد وفي العمد عند تمكن الشبهة وكذلك الدية تتنوع أنواعا والقصاص لا يتنوع فلهذا رجح جانب الدية في نسبة الكتاب إليها واشتقاق الدية من الأداء لأنها مال مؤدى في مقابلة متلف ليس بمال وهو النفس والأرش الواجب في الجناية على ما دون النفس مؤدى أيضا وكذلك القيمة الواجبة في سائر المتلفات إلا أن الدية اسم خاص في بدل النفس لأن أهل اللغة لا يطردون الاشتقاق في جميع مواضعه لقصد التخصيص بالتعريف وسمى بدل النفس عقلا أيضا لأنهم كانوا اعتادوا ذلك من الإبل فكانوا يأتون بالإبل ليلا إلى فناء أولياء المقتول فيعقلونها فتصبح أولياء القتيل والإبل معقولة بفنائهم فلهذا سموه عقلا .
ثم بدأ الكتاب فقال ( قال أبو حنيفة رحمه الله القتل على ثلاثة أوجه عمد وخطأ وشبه العمد ) والمراد به بيان أنواع القتل بغير حق فيما يتعلق به من الأحكام .
كان أبو بكر الرازي يقول القتل على خمسة أوجه عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ وما ليس بعمد ولا خطأ ولا أجري مجرى الخطأ .
أما العمد فهو ما تعمدت ضربه بسلاح لأن العمد هو القتل وقصد إزهاق الحياة وهي غير محسوسة لقصد أخذها فيكون القصد إلى إزهاق الحياة بالضرب بالسلاح الذي هو جارح عامل في الظاهر والباطن جميعا ثم المتعلق بهذا الفعل أحكام منها المأثم وذلك منصوص عليه في قوله ! < ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها > ! 93 الآية ومنها القصاص وهو ثابت في قوله تعالى ! < وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس > ! 45 وما أخبر الله تعالى أنه كتبه