المقر باختياره لا يصير كائنا حقيقة وهذا بخلاف ما إذا هزل بالردة لأن هناك إنما يحكم بكفره لاستخفافه بالدين فإن الهازل مستخف لا محالة إذ الاستخفاف بالدين كفر فأما المكره فغير مستخف ولا معتقد لما يخبر به مكرها ثم إن وجب محافظة قدر الملك على المكره فذلك لا يدل على أنه يجب محافظة عين الملك عليه .
كما لو أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد وهو موسر فإنه يجب محافظة قدر الملك على الساكت بإيجاب الضمان له على المعتق ولا يجب محافظة عين ملكه بإبطال عتق المعتق وهذا لأنه مكره على شيئين التكلم بالعتاق والإتلاف وهو في التكلم لا يصلح آلة للمكره لأن تكلمه بلسان الغير لا يتحقق وفي الإتلاف يصلح آلة له فجعلنا الإتلاف مضافا إلى المكره فأوجبنا الضمان عليه وجعلنا التكلم بالطلاق والعتاق مقصورا على المكره فحكمنا بنفوذ .
قوله بأن المكره ينبغي أن يجعل آلة حتى ينعدم التكلم في جانبه حكما .
قلنا هذا شيء لا يمكن تحقيقه هنا فإن الخلاف في الإكراه بالقتل والإكراه بالحبس سواء وعند الإكراه بالحبس لا ينعدم الفعل في جانب المكره بحال ثم نقول ليس للإكراه تأثير في الإهدار والإلغاء .
( ألا ترى ) أن المكره على إتلاف المال لا يجعل فعله لغوا بمنزلة فعل التهمة ولكن يجعل موجبا للضمان على المكره فعرفنا أن تأثير الإكراه في تبديل النسبة حتى يكون الفعل منسوبا إلى المكره وهذا يقتصر على ما يصلح أن يكون المكره آلة للمكره فلو اعتبرنا ذلك لاعدم الفعل في جانب المكره من غير أن يصير منسوبا إلى المكره كأن تأثير الإكراه في الإلغاء وذلك لا يجوز .
والمراد بالآية والحديث نفي الإثم لا رفع الحكم وبه نقول أن الإثم يرتفع بالإكراه حتى لو أكرهه على إيقاع الطلاق الثلاث أو الطلاق حالة الحيض لا يكون آثما إذا ثبت أن تصرفاته تنعقد شرعا فما لا يكون محتملا للفسخ بعد وقوعه يلزم من المكره وما لا يعتمد تمام الرضا يكون لازما منه والطلاق والعتاق لا يعتمد تمام الرضا حتى أن شرط الخيار لا يمنع وقوعهما وما يحتمل الفسخ ويعتمد لزومه تمام الرضا .
قلنا لا يكون لازما إذا صدر من المكره إلا أن يرضى به بعد زوال الإكراه صريحا أو دلالة فحينئذ يلزم لوجود الرضا منه به .
فإن باع المشتري من المكره العبد من غيره وأعتقه المشتري الآخر نفذ عتقه لأن المشتري من المكره ملك بالشراء وإن كان للمكره حق الفسخ كما كان المشتري منه مالكا بالشراء وإن كان له حق الفسخ إلا أن عتق المشتري من المكره قبل القبض لا ينفذ وعتق المشتري من المشتري من المكره نافذ قبضه أو لم يقبضه