عليكم اليوم مصيبة قالوا ما هي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض قلنا يا رسول الله إنا نكريها بما يكون على الربيع الساقي من الأرض فقال عليه السلام لا أزرعها أو امنحها أخاك وإنما سمى ذلك مصيبة لهم لأن اكتسابهم كان بطريق المزارعة وكانوا قد تعارفوا ذلك وكان يشق عليهم تركها فلو كان المراد التأويل الذي أشار إليه في الحديث الأول لم يكن في ذلك كبير مصيبة لتمكنهم من تحصيل المقصود بدفع الأرض مزارعة بجزء شائع من الخارج فهو دليل لأبي حنيفة رحمه الله وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام ازرعها أو امنحها أخاك يدل على سد باب المزارعة عليهم بالنهي مطلقا وبه يستدل من يقول من المتعسفة أنه لا يجوز استئجار الأرض بالذهب والفضة لمقصود الزراعة ولكن ما روينا من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه وهو قوله لي استأجرته دليل على جواز ذلك وقد ذكر بعد هذا آثارا تدل على جوازه والمراد ها هنا الانتداب إلى ما هو من مكارم الأخلاق بأن يمنح الأرض غيره إذا استغنى عن زراعتها بنفسه ولا يأخذ منه أجرا على ذلك وعن يعلى بن أمية وكان عاملا لعمر رضي الله عنه على نجران فكتب إليه يذكر له أرض نجران فكتب إليه عمر رضي الله عنه ما كان من أرض بيضاء يسقيها السماء أو تسقى سحا فادفعها إليهم لهم الثلث ولنا الثلثان وما كان من أرض تسقى بالغروب فادفعها إليهم لهم الثلثان ولنا الثلث وما كان من كرم يسقيه السماء أو يسقى سحا فادفعه إليهم لهم الثلث ولنا الثلثان وما كان يسقى بالغروب فادفعه إليهم لهم الثلثان ولنا الثلث والمراد بالأراضي التي هي لبيت المال حق عامة المسلمين أنه يدفعها إليهم مزارعة ( ألا ترى ) أنه فاوت في نصيبهم بحسب تفاوت عملهم بين ما تسقيها السماء أو تسقى بالغروب وهي الدوالي فهو دليل لمن يجوز المزارعة .
وعن عمرو بن دينار قال قلت لطاوس يا أبا عبد الرحمن لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فقال أخبرني أعلمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها ولكنه قال يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ منه خرجا معلوما أو قال خراجا معلوما وكل واحد من اللفظين لغة صحيحة والمراد بقوله أعلمهم معاذ رضي الله عنه فكأنه أشار به إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل أو قال ذلك لأنه أخذ العلم منه وهكذا ينبغي لكل متعلم أن يعتقد في معلمه أنه أعلم أقرانه ليبارك له فيما أخذ منه ثم قد دعاه عمرو بن دينار إلى الأخذ بالاحتياط والتحرز عن موضع الشبهة والاختلاف فأبى ذلك لأنه كان يعتقد فيه الجواز كما تعلمه من