فدل أن للإمام أن يصالح أهل بلده على بعض الأموال والأراضي إذا رضوا بذلك ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم بإجلاء اليهود إلى الشام على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع في جزيرة العرب دينان وقال عليه الصلاة والسلام إن عشت إلى قابل لأخرجن نجران من جزيرة العرب وكان في ذلك إظهار فضيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضيلة أمته حيث أن جزيرة العرب مولده ومنشأه طهر الله تلك البقعة عن سكني غير المؤمن فيها وهي أفضل البقاع لأن فيها الحرم وبيت الله تعالى حرم الله تعالى نعم مشاركة غير المؤمن مع المؤمن في السكنى فيها إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يتمم ذلك ولم يتفرغ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لذلك لأنه لم تطل مدة خلافته وقد كان مشغولا بقتال أهل الردة حتى إذا كان في زمن عمر رضي الله عنه وكان قد سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى اليهود من خيبر وأمر يهود الوادي أن يتجهزوا بالجلاء إلى الشام وكان المعنى في ذلك أن اليهود إنما جاؤوا من الشام إلى أرض الحجاز وكان مقصود رؤسائهم من ذلك طلب الحنيفية لما وجدوا في كتبهم من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعت أمته وبذلك كان يوصي بعضهم بعضا فلما بعث الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنعوا من متابعته والانقياد للحق الذي دعا إليه حسدا وكفرا قال الله تعالى ! < وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا > ! الآية فجوزوا على سوء صنيعهم بأن لا يمكنوا من المقام في أرض العرب وأن يعودوا إلى الموضع الذي جاء من ذلك الموضع آباؤهم فلهذا أجلاهم عمر رضي الله عنه ثم احتج عليه يهود الوادي بقولهم إنما نحن في أموالنا قد أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاسمنا ومعنى هذا الكلام الإشارة منهم إلى الفرق بينهم وبين أهل خيبر فإن خيبر قد افتتحها المسلمون فصارت مملوكة لهم فأما نحن فصالحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض الأراضي فأقرنا في أموالنا على ما كنا عليه في الأصل ولم يظهر منا خيانة فليس لك أن تجلينا من أرضنا فقال لهم عمر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم أقركم ما أقركم الله يعني أن هذا اللفظ كان استثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح الذي جرى بينه وبينكم فلا يمنعني ذلك من إجلائكم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد أن لا يجتمع في أرض العرب دينان وإني مجل من لم يكن له عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عهدا خاصا سوى ذلك الصلح العام فقد كان ذلك مقيدا بالاستثناء وأنا