الدعوى والإنكار فكما أن انعدام الدعوى يمنع قبول البينة فكذلك انعدام الإنكار ولا يتحقق الإنكار إلا من خصم حاضر .
وكان بن أبي ليلى رحمه الله يقبل البينة على هذا من غير خصم ويقول الوكيل بهذه البينة لا يلزم أحدا شيئا وإنما يثبت كونه نائبا عن موكله وليس فيه إلزام شيء على موكله فلا معنى لاشتراط حضور الخصم .
ولكنا نقول إنما سميت البينة لكونها مبينة في حق المنكر وذلك لا يتحقق إلا بمحضر من الخصم فإن أقام البينة على الوكالة بغير محضر من الخصم واليمين من القاضي أن يكتب شهادة شهوده إلى قاضي بلد آخر ليقضي به في ذلك لأن هذه الشهادة ليست للقضاء بل للنقل فإن قاضي بلد ينقل شهادتهم في كتابه إلى مجلس القاضي الذي فيه الخصم كما أن شهود الفرع ينقلون شهادة الأصول بعبارتهم فكما لا يشترط في إشهاد الفروع حضرة الخصم فكذلك هنا وإن قبل القاضي البينة بغير خصم وقضى بها جاز قضاؤه لأنه قضى في فصل مختلف فيه فإن العلماء رحمهم الله مختلفون في سبب القضاء هنا أن البينة هل هي حجة بغير محضر خصم أم لا فإذا قضى بها القاضي فقد أمضى فصلا مجتهدا فيه باجتهاده فلهذا لا يفسد قضاؤه .
قال ( ولأحد الوكيلين بالخصومة أن يخاصم وليس له أن يقبض أولا بقول الوكيل بالخصومة له أن يقبض المال عندنا وليس له أن يقبض عند زفر رحمه الله ) لأنه أمر بالخصومة فقط والخصومة لإظهار الحق والاستيفاء ليس من الخصومة ويختار في الخصومة ألح الناس وللقبض آمن الناس فمن يصلح للخصومة لا يرضى بأمانته عادة ولكنا نقول الوكيل بالشيء مأمور بإتمام ذلك الشيء وإتمام الخصومة يكون بالقبض لأن الخصومة قائمة ما لم يقبض ولأن المقصود بالخصومة الوصول إلى الحق وذلك بالقبض يكون والوكيل بالشيء يحصل ما هو المقصود به .
قال ( فإن وكل رجلين بالخصومة فلأحدهما أن يخاصم عندنا بدون محضر من الآخر خلافا لزفر رحمه الله ) لأن الخصومة يحتاج فيها إلى الرأي ورأي المثنى لا يكون كرأي الواحد فرضاه برأيهما لا يكون رضا برأي أحدهما كالوكيلين بالبيع .
ولكنا نقول لو حضر لم يخاصم إلا أحدهما لأنهما لو تكلما معا لم يتمكن القاضي من أن يفهم كلامهما .
فلما وكلهما بالخصومة مع علمه أن اجتماعهما عليها متعذر فقد صار راضيا بخصومة أحدهما بخلاف الوكيلين بالبيع ولكن إذا آل الأمر إلى القبض فليس لأحدهما أن يقبض لأنه رضي بأمانتهما أو اجتماعهما في القبض والحفظ متأت فلا يكون راضيا بقبض أحدهما وليس للوكيل أن يوكل غيره لأن الناس يتفاوتون في الخصومة قال صلى الله عليه وسلم ولعل