القاضي إقراره باطل وجه القياس أنه وكله بالخصومة والخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاحة والإقرار اسم لكلام يجري على سبيل المسالمة والموافقة وكان ضد ما أمر به والتوكيل بالشيء لا يتضمن ضده ولهذا لا يملك الوكيل بالخصومة الهبة والبيع أو الصلح والدليل عليه بطلان إقرار الأب والوصي على الصبي مع أن ولايتهما أعم من ولاية الوكيل وأبو يوسف رحمه الله يقول الموكل أقام الوكيل مقام نفسه مطلقا فيقتضي أن يملك ما كان الموكل مالكا له والموكل مالك للإقرار بنفسه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء فكذلك الوكيل وهذا لأنه إنما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجبا إلا بانضمام القضاء إليه .
كالبينة واليمين فأما الإقرار فهو موجب للحق بنفسه سواء حصل من الوكيل أو من الموكل فمجلس القضاء فيه وغير مجلس القضاء سواء .
وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا حقيقة الخصومة ما قال زفر رحمه الله ولكنا تركنا هذه الحقيقة وجعلنا هذا توكيلا مجازا بالجواب والإقرار جواب تام وإنما حملناه على هذا المجاز لأن توكيله إنما يصح شرعا بما يملكه الموكل بنفسه والذي يتيقن به أنه مملك للموكل الجواب لا الإنكار فإنه إذا عرف المدعي محقا لا يملك الإنكار شرعا وتوكيله فيما لا يملك لا يجوز شرعا والديانة تمنعه من قصد ذلك فلهذا حملناه على هذا النوع من المجاز كالعبد المشترك بين اثنين يبيع أحدهما نصيبه فينصرف بيعه إلى نصيبه مطلقا ليصحح عقدة هذا الطريق غير أنه إنما سمي الجواب خصومة مجازا إذا حصل في مجلس القضاء لأنه لما ترتب على خصومة الآخر إياه سمي باسمه كما قال الله تعالى ! < وجزاء سيئة سيئة مثلها > ! 40 والمجازاة لا تكون سيئة حقيقة ولأن مجلس الحكم الخصومة فما يجري فيه يسمى خصومة مجازا وهذا لا يوجد في غير مجلس القضاء ولأنه إنما استعان بالوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه وذلك فيما يستحق عليه والمستحق عليه إنما هو الجواب في مجلس الحكم بخلاف الأب والوصي فإن تصرفهما مقيد بشرط الأنظر والأصلح قال الله تعالى ! < قل إصلاح لهم خير > ! 220 وقال عز وجل ! < ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن > ! 152 وذلك لا يظهر بالإقرار فلهذا لا يملكه وإن وكله بالخصومة غير جائز الإقرار عليه صح الاستثناء في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يصح لأن من أصله أن صحة الإقرار باعتبار قيام الوكيل مقام الموكل وهذا حكم الوكالة فلا يصح استثناؤه كما لو وكل بالبيع على أن لا يقبض الوكيل الثمن أو لا يسلم المبيع كان الاستثناء باطلا .
فأما في ظاهر الرواية فالاستثناء صحيح لأن صحة إقرار