حضوره للقضاء بالبينة كالمدعي بل أولى فإن المدعي ينتفع بالقضاء والمدعى عليه يتضرر به وتأثيره أن دعوى المدعي وإن كان الخصم شرط للعمل بالبينة حتى لا يسمع البينة على المقر ولا يقضي بها إذا اعترض الإقرار قبل القضاء بها وبغيبة المدعي يفوت أحد الشرطين وهو الدعوى وبغيبة المدعى عليه يفوت الشرط الآخر وهو الإنكار وفوات شرط الشيء كفوات ركنه في امتناع العمل به وإنكاره إن كان ثابتا بطريق الظاهر فالشرط بطريق الظاهر لا يثبت عندنا ما لم يتيقن به ولهذا إذا قال لعبده إن لم أدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم فقال قد دخلت وقال العبد لم تدخل لم يعتق وإن كان عدم الدخول ثابتا بطريق الظاهر وعلى هذا .
قال أبو يوسف رحمه الله لو حضر وأنكر فأقيم عليه البينة ثم غاب يقضي عليه لأن إنكاره سمع نصا .
وقال محمد رحمه الله لا يقضي عليه لأن إصراره على الإنكار إلى وقت القضاء شرط وذلك ثابت بعد غيبته باستصحاب الحال لا بالنص وقوله أنها مسموعة عندنا غير مسموعة للقضاء حتى أن الخصم وإن حضر لا يجوز القضاء بها إنما هي مسموعة لنقلها إلى قاضي تلك البلدة بالكتاب بمنزلة شهادة الأصول عند الفروع مسموعة لنقل شهادتهم لا للقضاء بها واعتبار البينة بالإقرار فاسد لأن الإقرار موجب للحق بنفسه دون القضاء بخلاف البينة .
( ألا ترى ) أن الإقرار للغائب صحيح بخلاف البينة وهذا لأنه ليس للمقر حق الطعن في إقرار نفسه فليس في القضاء عليه مع غيبته بالإقرار تفويت حق الطعن عليه بخلاف البينة .
قال ( دار في يد رجل ادعاها رجل أنها له آجرها من ذي اليد وادعى آخر أنها له أودعها إياه وأقام البينة قضي بها بينهما نصفين ) لأن كل واحد منهما أثبت ببينته أن وصولها إلى يد ذي اليد من جهته فتتحقق المساواة بينهما في سبب الاستحقاق وذلك يوجب المساواة في الاستحقاق عندنا على ما نبينه في الباب الثاني إن شاء الله تعالى .
قال ( وإذا كان العبد في يد رجل ادعى أنه غصبه إياه أو أقام البينة وادعى آخر أنه له وديعة في يد ذي اليد قضى به لصاحب الغصب ) لأن بينته طاعنة في البينة الأخرى فإنه يثبت بها أن يد ذي اليد كانت غصبا من جهته وذلك يتقي كونه وديعة للآخر فلهذا رجحنا بينة الغصب وقضينا به لصاحبها والله أعلم .
$ باب الدعوى في الميراث $ ( قال رحمه الله ( عبد في يد رجل فأقام رجل البينة أن أباه مات وتركه ميراثا له لا يعلمون