ذي اليد ونحن نسلم أن المعرفة بالوجه لا تكون معرفة تامة فإن الغائب لا يمكن استحضاره به ولكن ليس على ذي اليد تعريف خصم المدعي له وإنما عليه أن يثبت أنه ليس بخصم له وهذا كله بناء على أصلنا أن القضاء على الغائب بالبينة لا يجوز فلا بد من خصم حاضر للمدعي ليقيم عليه البينة فأما عند الشافعي رحمه الله القضاء على الغائب بالبينة جائز ويستوي في ذلك إن كان غائبا عن البلدة أو عن مجلس الحكم حاضرا في البلدة وهو الصحيح من قوله وإنما يحضره القاضي لرجاء إقراره حتى يقصر به المسافة عليه ولا يحتاج المدعي إلى تكلف البينة واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي فاشتراط حضور الخصم لإقامة البينة تكون زيادة ولما قالت هند لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي فقال صلوات الله عليه وسلامه خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف من مال أبي سفيان فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفقة وهو غائب ولأن هذه بينة عادلة مسموعة فيجب القضاء بها كما لو كان الخصم حاضرا .
وبيان الوصف أن عندكم تسمع هذه البينة للكتاب بها وتأثيره أن بغيبة الخصم ما فات إلا إنكاره وإنكاره غير مؤثر في إيصال المدعي إلى حقه ولأن الأصل هو الإنكار فيجب التمسك به وإذا ثبت إنكاره بهذا الطريق قبلت البينة عليه ولو كان مقرى كان القضاء متوجها عليه لإجماعنا أن القضاء على الغائب بالإقرار جائز فعليه نقيس فعله أنه إحدى حجتي القضاء .
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر فإنك إذا سمعت كلام الآخر علمت كيف تقضي فبين أن الجهالة تمنعه من القضاء وأنها لا ترتفع إلا بسماع كلامهما فأما قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي فدليلنا أن البينة اسم لما يحصل به البيان وليس المراد في حق المدعي لأنه حاصل بقوله ولا في حق القاضي لأنه حاصل بقول المدعي إذا لم يكن له منازع إنما الحاجة إلى البيان في حق الخصم الجاحد وذلك لا يكون إلا بحضوره .
( ألا ترى ) أنه جعل البينة على المدعي في حال لو ادعى عدمها استحلف الخصم فقال واليمين على من أنكر وذلك لا يكون إلا بمحضر منه وهذا لأن البينة اسم للحجة ولا تكون حجة عليه ما لم يظهر عجزه عن الدفع والطعن والقرآن صار حجة على الناس حين ظهر عجزهم عن المعارضة وظهور عجزه لا يكون إلا بمحضر منه ولا حجة في حديث هند لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عالما بسبب استحقاق النفقة على أبي سفيان وهو النكاح الظاهر .
( ألا ترى ) أنها لم تقم البينة والمعنى فيه أنه أحد المتداعين فيشترط