ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في شريعة من قبله .
وفي هذا الحديث بيان أن المدعي غير المدعى عليه لأنه صلى الله عليه وسلم ميز بينهما وذلك تنصيص على المغايرة كما في قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر يكون تنصيصا على أن العاهر غير صاحب الفراش .
والمدعي لغة من يقصد إيجاب حق على غيره فالمدعى فعل يتعدى مفعوله فيكون المدعى اسما لفاعل الدعوى كالضارب والقاتل إلا أن إطلاق اسم المدعي في عرف اللسان يتناول من لا حجة له ولا يتناول من له حجة فإن القاضي يسميه مدعيا قبل إقامة البينة فأما بعد إقامة البينة يسميه محقا لا مدعيا ويقال لمسيلمة مدعي النبوة ولا يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعي النبوة لأنه قد أثبته بالمعجزة فعرفنا أن إطلاق الاسم على من لا حجة له عرفا وهذا الحديث يشتمل على أحكام بعضها يعرف عقلا وبعضها شرعا فقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي يدل على أنه لا يستحق بمجرد الدعوى وهذا معقول لأنه خبر متمثل بين الصدق والكذب والمحتمل لا يكون حجة فدل على أنه يستحق بالبينة وهذا شرعي وفي خبر الشهود الاحتمال قائم ولا يزول بظهور العدالة لأن العدل غير معصوم عن الكذب أو القصد إلى الكذب فحصول البينات أو الاستحقاق بشهادتهم شرعي وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه ففيه دليل على أن القول قوله وهذا معقول لأنه متمسك بالأصل فالأصل براءة ذمته وانتفاء حق الغير عما في يده .
وفيه دليل توجه اليمين عليه وهذا شرعي وكان المعنى فيه والله أعلم أن المدعي يزعم أنه صار متويا حقه بإنكاره فالشرع جعل له حق استحلافه حتى إن كان الأمر كما زعم فاليمين العمومي مهلكة للمدعى عليه فيكون أتوا بمقابلة اتواء وهو مشروع .
وإن كان بخلاف ما زعم نال المدعى عليه الثواب بذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم صادقا ولا يتضرر به .
وفيه دليل على أن حبس البينات في جانب المدعيين لإدخال الألف واللام في البينة فلا تبقى بينة في جانب المدعى عليه لأن مطلق التقسيم يقتضي انتقاء مشاركة كل واحد منهما عن قسم صاحبه فيكون حجة لنا أن بينة ذي اليد على إثبات الملك لنفسه غير مقبولة في معارضة بينة الخارج ويدل على أن جنس الأيمان في جانب المدعى عليه ولا يمين في جانب المدعي فيكون دليلا لنا في أنه لا يرد اليمين على المدعي عند نكول المدعى عليه .
وهكذا ذكره عن إبراهيم رحمه الله في الكتاب فقال كان لا يرد يعني عملا بالحديث كان لا يرد اليمين ويكون حجة لنا في أنه لا يجوز القضاء بشاهد واحد مع