الشهادة على التأبيد وكذلك باعتبار الكذب فلا تأثير للكذب في رد الشهادة على التأبيد ولأن هذا افتراء منه على عبد من عباد الله فلا يكون أعظم من افترائه على الله تعالى وهو الكفر وذلك لا يوجب رد الشهادة على التأبيد ولأنه نسبة الغير إلى الزنى فلا يكون أقوى من مباشرة فعل الزنى وذلك لا يوجب رد الشهادة على التأبيد وهذا على أصلكم أظهر فإنكم تقولون قبل إقامة الحد عليه تقبل شهادته وإن لم يتب وبالاتفاق إذا تاب قبل إقامة الحد عليه تقبل شهادته ولا جائز أن يكون الموجب لرد الشهادة إقامة الحد عليه فإن ذلك فعل الغير به وتعتبر إقامة هذا الحد بإقامة سائر الحدود وهذا لأن الحد من وجه يقام تطهيرا قال صلى الله عليه وسلم الحدود كفارات لأهلها فلا يصلح أن تكون سببا لرد شهادته على التأبيد وحاله إذا تاب بعد إقامة الحد عليه أحسن من حاله قبل إقامة الحد عليه .
فإذا بطل الوجهان صح أن الموجب لرد شهادته سمة الفسق وقد ارتفع ذلك بالتوبة بدليل قبول خبره في الديانات ولهذا قلت قبل إقامة الحد عليه لا تقبل شهادته عليه إذا لم يتب لأن الفسق ثبت بنفس القذف لما فيه من هتك ستر العفة على المسلم ولهذا لزمه الحد به والحد لا يجب إلا بارتكاب جريمة موجبة للفسق ولأن هذا محدود في قذف حسنت توبته فتقبل شهادته كالذمي إذا أسلم بعد إقامة الحد عليه .
وحجتنا في ذلك من حيث الظاهر قوله تعالى ! < ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا > ! النور 4 وإلا بدا لا نهاية له فالتنصيص عليه في بيان رد شهادته دليل على أنه يتناول الشهادة على التأبيد ومعنى قوله لهم أي للمحدود في القذف وبالتوبة لا يخرج من أن يكون محدودا في قذف بخلاف قوله تعالى ! < ولا تصل على أحد منهم مات أبدا > ! 84 ومعناه من المنافقين وبالتوبة يخرج من أن يكون منافقا والمراد بالآية شهادته في الحوادث لا ما يأتي به من الشهود على صدق مقالته .
فالصحيح من المذهب عندنا أنه إذا أقام المحدود أربعة من الشهداء على صدق مقالته بعد إقامة الحد عليه تقبل ويصير هو مقبول الشهادة وقوله تعالى لهم شهادة بمنزلة قوله شهادتهم كما يقال هذه دارك وهذه دار لك وفي التنكير ما يدل على أن المراد ما قلنا دون أربعة يشهدون له فإنه لو كان المراد ذاك لقال ولا تقبلوا لهم الشهادة فإن المنكر إذا أعيد يعاد معرفا قال الله تعالى ! < كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول > ! 15 16 .
ولا كلام في المسألة من طريق القياس فإن مقادير الحدود لا تعرف بالقياس ولكن الكلام على طريق الاستدلال بالمنصوص فنقول إن رد الشهادة من تمام حده وأصل الحد لا يسقط بالتوبة فما هو متمم له لا يسقط