هو الذي يعرف ذلك فلهذا لا يستحلف إلا بطلبه .
ثم شرط أبو حنيفة رحمه الله تعالى للاستحلاف أن لا يكون للمدعي شهود حضور لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم للمدعي ألك بينة فقال لا فقال صلى الله عليه وسلم إذن لك يمينه ولأن المنكر إنما يكون متلفا حق المدعي بإنكاره إذا لم يكن له شهود حضور .
ولو استحلف القاضي الخصم مع حضور الشهود لكان في ذلك افتضاح المسلم إذا أقام المدعي البينة بعد ذلك .
وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا إذا كان الشهود في مجلس الحكم فكذلك يتمكن المدعي من إثبات حقه بالشهادة في الحال .
فأما إذا لم يكونوا في مجلس الحكم فله غرض صحيح في الاستحلاف وهو أن يقصر المؤونة والمسافة عليه بإقرار المدعي عليه أو نكوله عن اليمين فيتوصل إلى حقه في الحال فكان له أن يطلب يمينه .
ثم قد بينا في كتاب الدعوى أن المقصود نكول المدعى عليه وأن الاستحلاف في كل ما يجوز فيه القضاء بالنكول ولهذا لا يستحلف في الحدود لأنه لا يقضي فيها بالنكول والنكول قائم مقام الإقرار وفي الحدود التي هي لله تعالى خالصا لا يجوز إقامتها بالإقرار بعد الرجوع فكيف يقام بالنكول والنكول قائم مقام الإقرار وفي حد القذف النكول قائم مقام الإقرار ولا يجوز إقامته بما هو قائم مقام الغير كما لا يقام بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي إلا أنه يستحلف في السرقة ليقضي عند النكول بالمال دون القطع وهذا لأن المدعي يدعي أخذ المال بجهة السرقة فيستحلف الخصم في الأخذ وعند نكوله يقضي بذلك لا بجهة السرقة كما لو أقر بالسرقة ثم رجع وكما في الشهادة على الشهادة وشهادة الرجال مع النساء في السرقة فإنه يثبت بها الأخذ الموجب للضمان دون السرقة الموجبة للقطع فكذلك في النكول ولهذا لا يستحلف في النكاح والرجعة والفيء في الإتلاف والرق والنسب والولاء في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه لا يجوز القضاء فيها بالنكول والنكول عنده بمنزلة البدل وهما يقولان يستحلف في هذه الأشياء ويقضي بالنكول فالنكول عندهما قائم مقام الإقرار وقد بينا هذا في الدعوى وفي دعوى القصاص يستحلف لا للقضاء بالنكول بل لتعظيم حرمة النفوس .
( ألا ترى ) أن الأيمان في القسامة شرعت مكررة لذلك وإن كلمات اللعان أيمان مشروعة لتعظيم حرمة النسبة إلى الفاحشة ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا امتنع عن اليمين في دعوى النفس حبس حتى يحلف أو يقر وفيما دون النفس يستحلف للقضاء بالنكول لأن البدل عامل في الأطراف كهو في الأموال فإذا كان مفيدا يعمل في الإباحة وإذا كان غير مفيد يعمل في إسقاط الضمان فعند النكول يقضي بالقصاص الذي