بعد العزل كغيره من الرعايا فلا يكون قولا ملزما وإن شهد مع آخر لم تقبل شهادته في ذلك لأنه يشهد على فعل نفسه ولا شهادة للإنسان فيما يخبر به من فعل نفسه فلا بد من أن يشهد على قضائه شاهدان سواه ليتمكن المولى بعده من امضائه وإذا رفع قضاء القاضي بعد موته أو عزله إلى قاض يرى خلاف رأيه .
فإن كان مما يختلف فيه الفقهاء أمضاه لإجماع الناس على نفوذ قضاء القاضي في المجتهدات فلو أبطله القاضي الثاني كان هذا منه قضاء بخلاف الإجماع وإن كان القضاء الأول خطأ لا يختلف فيه الفقهاء أبطله لأنه بخلاف الإجماع أو النص .
( ألا ترى ) أن الأول لو وقف على ذلك من قضاء نفسه أبطله بخلاف ما إذا تحول رأيه في المجتهدات فكذلك يفعله المولى بعد موته .
( ولا ينبغي للقاضي أن يكون فظا غليظا جبارا عنيدا ) لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القضاء بين الناس فينبغي أن يتحرز عن ما هو منتفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لم يجعلني جبارا عنيدا وفي صفته في التوراة ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق فصلوات الله عليه ولأن هذه أوصاف مذمومة فعلى القاضي أن يتحرز عنها وهو سبب لنفرة الناس عنه قال الله تعالى ! < ولو كنت فظا غليظ القلب > ! 159 الآية والقاضي مندوب إلى اكتساب ما هو سبب لميل القلوب إليه والإجماع إليه في حوائجهم وينبغي له أن يشتد حتى يستنطق الحق فلا يدع من حق الله تعالى شيئا من غير جبر به وأن يلين حيث ينبغي ذلك في غير ضعف ولا يترك شيئا من الحق لما روينا عن عمر رضي الله عنه قال لا يصلح لهذا الأمر إلا اللين من غير ضعف القوي من غير عنف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلين في الأمور ويرفق حتى ينتهك شيء من محارم الله فيكون من أشدهم في ذلك .
( وينبغي له أن يتعذر إلى كل من يخاف أن يقع في نفسه عليه شيء إذا قضي عليه وأن يفسر للخصم ويبين له حتى يعلم أنه قد فهم عنه حجته وقضى عليه بعد ما فهم وبذلك تنتفي عنه تهمة الميل وينقطع عنه طمع الخصم والعالة فيه ) ولأنه يصون بذلك الخصوم عن الفتنة والشكاية منه وهو مندوب إلا أن لا يترك جهده في ذلك وإن كان لا يطمع في أمانته إلا نادرا فيتقدم القاضي إلى أعوانه والقوام عليه في ترك الحق والشدة على الناس ويأمرهم بالرفق واللين من غير أن يضعوا فيقصروا عن شيء مما ينبغي لأنهم ينوبون عنه فيما فوض إليهم فكما يفعل ذلك في حق نفسه يأمر به أعوانه ليكون ذلك سبب تأليف القلوب واجتماع الكلمة عليه .
( ولا ينبغي أن يستعمل على القضاء إلا الموثوق به في