قبول قوله في ذلك كما لو أخبر به قبل أن يعزل .
قال مشايخنا رحمهم الله وإنما يجوز اعتماد قول القاضي في ذلك من غير أن يستفسر إذا كان فقيها ورعا فالورع يؤمننا من جوره وميله إلى الرشوة وفقهه يؤمننا من أن يغلط في ذلك فأما إذا لم يكن فقيها لا بد من أن يستفسر وإن كان ورعا لأنه ربما يغلط لقلة فهمه وكذلك إن كان فقيها ولم يكن ورعا فلا بد من أن يستفسر لأنه لقلة ورعه ربما جار في ذلك .
ولا ينبغي للقاضي أن يضرب في المسجد حدا ولا تعزيرا ولا يقتص لأحد من إحد عندنا .
وقال الشافعي رحمه الله لا بأس بذلك بشرط أن لا يلوث المسجد لأن فعل الإقامة قربة وطاعة والمساجد أعدت لذلك ثم هو من تتمة قضائه وإذا كان له أن يجلس في المسجد للقضاء كان له أن يتم القضاء بإقامة الحدود فيها .
وحجتنا في ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقام الحدود في المساجد وفي حديث مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم وبيعكم وشراءكم وطهروها في الجمع واجعلوا على أبوابها المطاهر وروي أن عمر رضي الله عنه أمر بأن يعذر رجل وقال للذي أمره بذلك أخرجه من المسجد ثم اضربه ولم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإقامة حد على أحد في المسجد بين يديه وهذا لأنه لا يؤمن تلويث المسجد ورفع صوت المضروب بالأنين عند الضرب والمسجد يتنحى عن ذلك فإما أن يخرج القاضي ليقام بين يديه أو يبعث نائبا أو يجلس عند باب المسجد ويأمر بالإقامة بين يديه خارجا من المسجد وهو يرى ذلك .
ولو أن قاضيا باع لنفسه شيئا أو اشترى لم يقبل قوله في شيء منه على خصمه وهو كغيره من الناس في هذا لأنه فيما يعمل لنفسه لا يكون قاضيا وفيما يفعله على غير سبيل الحكم هو كسائر الرعايا .
( ألا ترى ) أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أنكر الأعرابي استيفاء ثمن الناقة منه وقال هلم شاهدا قال لم يشهد لي حتى شهد خزيمة رضي الله عنه الحديث إذا كان هذا في حق من هو معصوم عن الكذب فما ظنك في القاضي ولا يجوز قضاؤه بشيء لنفسه ولا لولده ونوافله من قبل الرجال والنساء ولا لأبويه وأجداده من قبلهما ولا لزوجته ولا لمكاتبه ومماليكه لأن ولاية القضاء فوق ولاية الشهادة وإذا لم يجز شهادته لهؤلاء فلئلا يجوز قضاؤه لهم أولى .
وأما من سوى هؤلاء من القرابة وغيرهم فقضاؤه لهم جائز كما تجوز شهادته لهم .
وإذا عزل عن القضاء ثم قال كنت قضيت لهذا على هذا بكذا وكذا لم يقبل قوله في ذلك لأنه أخبر بما لا يملك استئناءه وهذا قول ملزم وهو