لأنه مما يثبت مع الشبهات والشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال حجة القضاء فيما يثبت مع الشبهات وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يرزق سليمان بن ربيعة الباهلي عن القضاء كل شهر خمسمائة درهم .
وفيه دليل على أن الإمام يعطي القاضي كفايته من مال بيت المال وأنه لا بأس للقاضي أن يأخذ ذلك لأنه فرغ نفسه لعمل المسلمين فيكون كفايته وكفاية عياله في مال المسلمين وإن كان صاحب ثروة فإن لم يأخذ واحتسب في عمل القضاء فهو خير له والأصل فيه قوله تعالى ! < ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف > ! 6 والآية في الوصي وهو يعمل لليتيم كما أن القاضي يعمل للمسلمين وأن الصحابة رضوان الله عليهم فرضوا لأبي بكر رضي الله عنه مقدار كفايته من مال المسلمين إلا أنه أوصى إلى عائشة رضي الله عنها أن ترد جميع ذلك حتى قال عمر رضي الله عنه يرحمك الله لقد أتعبت من بعدك وعمر رضي الله عنه كان يأخذ كفايته من مال بيت المال وعلي رضي الله عنه كذلك كان يأخذ كما قال إن لي من مالكم كل يوم قصعة ثريد وعثمان رضي الله عنه كان لا يأخذ لثروته .
ثم ذكر عن شريح رحمه الله أنه قال ما لي لا أترزق وأستوفي منه وأوفيهم اصبر لهم نفسي في المجلس واعدل بينهم في القضاء وأن شريحا رحمه الله كان قاضيا في زمن عمر وعلي رضي الله عنهما وعمر رضي الله عنه كان يرزقه كل شهر مائة درهم وعلي رضي الله عنه كان يرزقه كل شهر خمسمائة درهم وذلك لقلة عياله في زمن عمر رضي الله عنه ورخص سعر الطعام وكثرة عياله في زمن علي رضي الله عنه وغلاء سعر الطعام فإن رزق القاضي لا يتقدر بشيء لأن ذلك ليس بأجر فالاستئجار على القضاء لا يجوز وإنما يعطي كفايته وكفاية عياله .
وكان بعض أصدقاء شريح رحمه الله عاتبه في ذلك وقال لو احتسبت قال في جوابه وما لي لا أترزق فبين أنه فرغ نفسه لعمل القضاء ولا بد له من الكفاية فإذا لم يرتزق احتاج إلى الرشوة ففيه بيان أن القاضي إذا كان محتاجا ينبغي له أن يأخذ مقدار كفايته لكيلا يطمع في أموال الناس .
وذكر عبد الله بن يحيى الكندي كان يقسم لعلي رضي الله عنه الدور والأرضين ويأخذ على ذلك أجرا وفيه دليل أن القاضي يتخذ قاسما لأنه يحتاج إلى ذلك فإنه في المواريث إذا بين الأبصار بما يطالب بالقسمة ليتم بها انقطاع المنازعة وهو لكثرة أشغاله لا يتفرغ لذلك فيتخذ قاسما يستعين به عند الحاجة كما يتخذ كاتبا ثم الأولى أن يجعل كفاية قاسم القاضي في بيت المال ككفاية القاضي لأن عمله من تتمة ما انتصب القاضي له .
فإن لم يقدر على ذلك أمر الذين يريدون القسمة أن يستأجروه بأجر