بنوا مسألة المصارفة على هذا ولكن هذا شيء لا يروى عن محمد رحمه الله نصا وفي الجامع بنى المسائل على أن الأجر لا يجب بنفس العقد عينا كان أو دينا .
ولكن وجه قوله الأول أن سبب الوجوب هو العقد والعقد منعقد إلا أن الوجوب تأخر لتأخر ما يقابله والإبراء بعد وجوب سبب الوجوب صحيح كالإبراء عن نفقة العدة مشروطا في الخلع وهذا لأن السبب لما اعتبر في جواز أداء الواجب وأقيم مقام الوجوب فكذلك في الإسقاط .
وجه قوله الآخر أن الإبراء إسقاط وإسقاط ما ليس بواجب لا يتحقق والهبة تمليك وتمليك ما ليس بمملوك لا يصح ولو جاز الإبراء وبقي العقد بملك المستأجر المنفعة عند الاستيفاء بغير عوض وهذا يخالف قضية الإجارة فإنه من حكم الإعارة ولا خلاف بينهما أن الإبراء عن بعض الأجرة قبل استيفاء شيء من المنفعة صحيح لأن هذا بمنزلة الحط فيلتحق بأصل العقد ويصير كأنه عقد في الابتداء بما بقي .
ولو باعه بالأجر متاعا وسلمه إليه فهو جائز لأن الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله دينا في الذمة .
ألا ترى أنه لو اشترى بالدين المظنون شيئا ثم تصادقا على أن لا دين بقي الشراء صحيحا ثم لما اتفقا على المقاصة بالأجر مع علمهما بأنه لا يجب بنفس العقد فكأنهما شرطا تعجيل الأجر ويجعل ذلك مضمرا في كلامهما لتحصيل مقصودهما كما إذا قال أعتق عبدك عني على ألف درهم يجعل التمليك مضمرا لتحصيل مقصودهما فيصير الأجر بالثمن قصاصا بهذا الطريق ولا يكون للبائع حق حبس المبيع باستيفاء الثمن فإن لم يوفه العمل لعذر رجع عليه بالدراهم دون المتاع لأنه لما انفسخ العقد بعد ما صار مستوفيا للأجر بالمقاصة وجب رد ما استوفى كما لو استوفاه حقيقة أو لما انفسخ العقد ظهر أن الأجر غير واجب وأن المقاصة لا تقع به ولكن أصل الشراء بقي صحيحا بثمن في ذمته فيطالبه بالثمن .
وإن باعه المستأجر بالدراهم دنانير ودفعها إليه قبل استيفاء المنفعة فهو جائز في قول أبي يوسف رحمه الله الأول وهو قول محمد رحمه الله .
وفي قوله الآخر الصرف باطل فإذا افترقا قبل إيفاء العمل فوجه قوله الأول أنهما لما أضافا عقد الصرف إلى الأجرة فقد قصد المقاصة بها ولا وجه لتحصيل مقصودهما إلا بتقديم اشتراط التعجيل فيقدم ذلك لتحصيل مقصودهما ثم المضمر كالمصرح به .
ولو صرح باشتراط التعجيل ثم صارف به دينارا وقبضه لم يبطل العقد بالافتراق فكذلك إذا ثبت ذلك ضمنا في كل منهما وهو نظير الشراء .
والدليل عليه أن من كفل عن غيره عشرة دراهم بأمره ثم صارف به مع المكفول عنه دينارا قبل أن يؤدي جاز ذلك لوجود السبب .
وإن لم يجب دينه على المكفول عنه ما لم