على قولهم فكذلك في الشراء وكذلك في الميراث ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما على قولهم في أن قضاء القاضي هنا يتناول الميت ويصير هو مقضيا عليه بقسمة القاضي وقولهم ليس بحجة عليه فلا بد لهم من إقامة البينة ليثبت بها حجة القضاء على الميت وبيانه من وجهين ( أحدهما ) أن التركة قبل القسمة مبقاة على ملك الميت بدليل أن حقه يثبت في الزوائد التي تحدث حتى يقضي منه ديونه وينفذ وصاياه وبالقسمة ينقطع حق الميت عن التركة حتى لا يثبت حقه فيما يحدث بعد ذلك من الزوائد فكان فيه قضاء على الميت يقطع حقه .
( والثاني ) أن القاضي يثبت له الولاية على الميت في تركته فيما يرجع إلى النظر وينفذ تصرفه إليه إذا كان فيه نظر للميت فبم يخبرون القاضي بثبوت ولايته على الميت ليلزم الميت قضاؤه فيما يرجع إلى النظر وذلك أمر وراء ما في أيديهم فلا يكون قولهم في ذلك حجة فيكلفهم إقامة البينة على ذلك وتقبل هذه البينة من غير خصم لأنها تقوم لإثبات ولاية النظر للقاضي في حق من هو عاجز عن النظر لنفسه وهذا بخلاف ما إذا اقتسموا بأنفسهم لأن فعلهم لا يلزم الميت شيئا وبخلاف العروض لأن معنى النظر للميت هناك في القسمة من وجهين ( أحدهما ) أن العروض يخشى عليها النوى والتلف وفي القسمة تحصين وحفظا لها فأما العقار محصنة بنفسها لا يخشى عليها التلف ففي القسمة قضاء على الميت يقطع حقه عنها .
( والثاني ) أن في العروض ما يأخذه كل واحد منهم بعد القسمة يصير مضمونا عليه بالقبض في حق غيرهم ففي جعل ذلك مضمونا عليهم معنى النظر للميت وذلك لا يوجد في العقار فإنها لا تصير مضمونة على من أثبت يده فيها عند أبي حنيفة رحمه الله وهذا بخلاف ما زعموا أنها مملوكة لهم لأن القضاء بالقسمة هناك لا يقتصر عليهم ولا يتعدى إلى غيرهم إذ لم يثبت فيها أصل الملك لغيرهم .
فأما في الشراء فقد روي عن أبي حنيفة رحمه الله في غير الأصول أن القاضي لا يقسمها بينهم وسوى بين الشراء والميراث .
ولكن على هذا الطريق نسلم كما هو ظاهر الرواية فنقول قضاؤه بالقسمة في المشتري لا يتضمن قطع حق البائع لأن بعد البيع والتسليم لا يبقى المبيع على حكم ملك البائع بخلاف الميراث ولأنه لا يثبت للقاضي الولاية على الغائب بالتصرف في أمواله فهم ما أخبروا القاضي بثبوت ولايته على البائع الغائب بخلاف الميراث على ما قررنا .
والطريق الآخر لأبي حنيفة أنه لا يتمكن من القضاء بالقسمة حتى يقضي بموت المورث ويتعلق بموته أحكام غير مقصودة على ما في أيديهم من وقوع التفريق بينه وبين زوجته وعتق أمهات أولاده ومدبراته وحلول آجاله وقولهم ليس بحجة في شيء