.
ولهذا قيل أفرس الناس أبو بكر رضي الله عنه حيث تفرس في حبل امرأته أنها جارية فكان كما تفرس وتفرس في عمر رضي الله عنه حين استخلفه بعده .
( وعن ) عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا إذا وهب الرجل لابنه الصغير هبة فأعلمها فهو جائز وبه نأخذ فإن حق القبض فيما يوهب لهذا الصغير إلى الأب لو كان الواهب أجنبيا فكذلك إذا كان الواهب يصير قابضا له من نفسه فتتم الهبة بالقبض ولا بد من الإعلام ليحصل المقصود به فالولد لا يتمكن من المطالبة به ما لم يكن معلوما له وهو معنى ما روى شريح أنه سئل ما يجوز للصبي من نحل أبيه قال المشهود عليه والمراد الإعلام فالإشهاد في الهبة ليس بشرط للإتمام وإنما ذكر ذلك للتوثق حتى يتمكن الولد من إثبات ملكه بالحجة بعد موته على سائر الورثة .
( وعن ) إبراهيم قال الرجل والمرأة بمنزلة ذي الرحم المحرم إذا وهب أحدهما لصاحبه هبة لم يكن له أن يرجع فيها وبه نأخذ فإن ما بينهما من الزوجية نظير القرابة القريبة ولهذا يتعلق بها التوارث من الجانبين بغير حجب ويمتنع قبول شهادة كل واحد منهما لصاحبه وهذا لأن المقصود حصل بالهبة وهو تحقيق ما بينهما من معنى السكن والازدواج وفي الرجوع إيقاع العداوة فيما بينهما والنفرة .
والزوجية بمعنى الألفة والمودة فلا يجوز لأحدهما الإقدام على ما يضاده وهذا كان مانعا من الرجوع فيما بين القرابات .
( وقال ) في الرجل يهب لامرأته أو لبعض ولده وقد أدرك وهو في عياله أن ذلك جائز إذا أعلمه وإن لم يقبض ذلك الموهوب له .
وبه يأخذ بن أبي ليلى فيقول إذا كان الموهوب له في عياله فيده في قبض الهبة كيده كما في الصغار .
ولسنا نأخذ بذلك لأنه لا بد من نوع ولاية له ليجعل قبضه بذلك كقبض الموهوب له ولا ولاية له عليهم بعد البلوغ وإن كان يعولهم .
ألا ترى أن الغني يعول بعض المساكين فينفق عليهم ثم لو تصدق عليهم لا يتم ذلك إلا بالإعلام ما لم يسلمه إليه .
( وعن ) عطاء بن السائب عن شريح رحمهما الله تعالى أنه سأله عن الحبيس فقال إنما أقضي ولست أفتي فأعدت عليه المسألة فقال لا حبيس عن فرائض الله تعالى .
وبه يأخذ من يقول لا ينبغي للقاضي أن يفتي وهذا فصل تكلم فيه العلماء رحمهم الله تعالى فمنهم من يقول في العبادات لا بأس بأن يفتي وفي المعاملات لا يفتي لكيلا يقف الخصم على مذهبه فيشتغلوا بالحيل على مذهبه .
ومنهم من يقول لا يفتي في مجلس القضاء وله أن يفتي في غير مجلس القضاء