والحيازة جميعا بقوله وإنك لم تكوني قبضتيه ولا حزتيه والمراد بالحيازة القسمة لأنه يقال حاز كذا أي جعله في حيزه بقبضه وحاز كذا أي جعله في حيزه بالقسمة ولو حملناه على القبض هنا كان تكرارا وحمل اللفظ على ما يستفاد به فائدة جديدة أولى من حمله على التكرار وفيه دليل أن هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تكون باطلة لأن أبا بكر رضي الله عنه باشرها ولكن لا يحصل الملك إلا بعد القسمة كما لا يحصل الملك إلا بعد القبض ولا نقول الهبة قبل القبض باطلة .
وفيه دليل أن التسليم كالتمليك المبتدأ لأن أبا بكر رضي الله عنه امتنع من ذلك لمرضه فإن المريض ممنوع من إيثار بعض ورثته بشيء من ماله بطريق التبرع ولكن طيب قلبها بما قال انتدابا إلى ما ندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله رحم الله امرأ أعان ولده على بره بدأ كلامه بالحمد والثناء على الله تعالى وكل مسلم مندوب إلى ذلك خصوصا في وصيته .
ثم يستدل بقوله أن أحب الناس إلي غني أنت وأعزهم علي فقرا أنت أي أشدهم من تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر ولا شك أن أبا بكر رضي الله عنه كان يحب لها أعلى الدرجات ولكن المذهب عندنا أن الأفضل ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه الصلاة والسلام اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين وقال صلوات الله وسلامه عليه الفقر أزين بالمؤمن من العذار الجيد على خد الفرس .
وكذلك أبو بكر رضي الله عنه اختار الفقر لنفسه حين أنفق جميع ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفنا أنه إنما قال ذلك تطييبا لقلبها أو أحب الغنى لها لعجزها عن الكسب أو ظن أنه يشق عليها الصبر على الفقر فلهذا قال أحب الناس إلي غني أنت وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا من مالي بالعالية وذلك اسم موضع وقد كان وهب لها قدر عشرين وسقا من ماله في ذلك الموضع قال وإنما هو مال الورثة .
وفيه دليل على أن حق الوارث يتعلق بمال المريض مرض الموت وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام وما سوى ذلك فهو مال الوارث أو قال ذلك باعتبار أن مآله إلى ذلك كقوله تعالى ! < إنك ميت وإنهم ميتون > ! 30 .
وإنما هما أخواك وأختاك وإنما ذكر ذلك لتطييب قلبها أنه كان لا يسلم لك فلا يبعد عنك فأشكل على عائشة رضي الله عنها قوله وأختاك لأنها ما عرفت لها إلا أختا واحدة وهي أم عبد الله فقال أبو بكر رضي الله عنه أنه ألقى في نفسي أن في بطن بنت خارجة جارية يعني أم حبيب امرأته وكانت حاملا .
وفيه دليل أن الحمل من جملة الورثة وأنه لا بأس للإنسان أن يتكلم بمثل هذا بطريق الفراسة فإن أبا بكر رضي الله عنه قال ذلك بفراسته ولم يكن ذلك منه رجما بالغيب فإن ما في الرحم لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى كما قال الله تعالى ! < ويعلم ما في الأرحام > ! 34