كان واحدا وفرق الغلة سهاما بعضها في الحج وبعضها في الغزو وبعضها في أهل بيته وبعضها في المساكين كان ذلك صدقة جائزة فكذلك إذا كان المتصدق اثنين وعين كل واحد منهما لنصيبه مصرفا وهذا كله قول محمد .
فأما عند أبي يوسف الصدقة الموقوفة في جميع هذه الوجوه جائزة لأنه يجوزها غير مقبوضة فكذلك غير مقسومة .
فالحاصل أن أبا يوسف يوسع في أمر الصدقة الموقوفة في قوله الآخر غاية التوسع وفي قوله الأول ضيق فيها غاية التضييق كما هو قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فقال لا تلزم في الحياة أصلا وتوسط قول محمد رحمه الله تعالى في ذلك ولهذا أفتى عامة المشايخ رحمهم الله تعالى فيها بقول محمد رحمه الله تعالى .
ومما توسع فيه أبو يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يشترط التأبيد فيها حتى لو وقفها على جهة يتوهم انقطاعها يصح عنده وإن لم يجعل آخرها للمساكين ومحمد رحمه الله تعالى يشترط التأبيد فيها فقال إذا كانت الجهة بحيث يتوهم انقطاعها لا تصح الصدقة إذا لم يجعل آخرها للمساكين لأن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك وذلك يتأبد كالعتق وإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها فلم يتوفر على العقد موجبه والتوقيت في هذا العقد كالتوقيت في البيع فكان مبطلا وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول المقصود هو التقرب إلى الله تعالى والتقرب تارة يكون في الصرف إلى جهة يتوهم انقطاعها وتارة بالصرف إلى جهة لا يتوهم انقطاعها لا تصح الصدقة لتحصيل مقصود الواقف .
ومن ذلك أنه لو جعل مصرف الغلة لنفسه ما دام حيا فذلك جائز عند أبي يوسف أيضا اعتبارا للابتداء بالانتهاء لأنه يجوز الوقف على جهة يتوهم انقطاعها وإذا انقطعت عادت الغلة إليه في الانتهاء فكما يجوز ذلك في الانتهاء فكذلك في الابتداء لجواز أن يقدم نفسه على غيره في الغلة وهذا لأن معنى التقرب لا ينعدم بهذا قال عليه الصلاة والسلام نفقة الرجل على نفسه صدقة وقال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك ثم بمن تعول فأما عند محمد رحمه الله تعالى إذا جعله وقفا على نفسه أو جعل شيئا من الغلة لنفسه ما دام حيا فالوقف باطل وهو مذهب أهل البصرة رحمهم الله تعالى لأن التقرب بإزالة الملك واشتراط الغلة أو بعضها لنفسه يمنع زوال ملكه فلا يكون ذلك صحيحا وكذلك لو شرط الغلة لامائة فهو كاشتراطه لنفسه .
ولكن ذكر محمد أنه إذا اشترط الغلة لأمهات أولاده فذلك جائز وهذا على أصل أبي يوسف غير مشكل وعلى قول محمد رحمه الله تعالى هو مستحسن على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى .
ومن ذلك أنه إذا شرط في الوقف أن يستبدل به أرضا أخرى إذا شاء ذلك فهو جائز عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد وهو قول