الجنس إذا كان بحيث يتأتى التمييز في الجملة إلا أنه تعيب ملك كل واحد منهما بعيب الشركة فلهذا يثبت لكل واحد منهما حق التضمين إن شاء وإن شاء اعتبر بقاء عين الملك حقيقة فيختار الشركة في المخلوط وهو نظير غاصب الثوب إذا صبغه على ما بينا .
وأبو حنيفة يقول بالخلط صار ملك كل واحد منهما مستهلكا حكما لأن المخلوط في الحكم كأنه شيء آخر سوى ما كان قبل الخلط ألا ترى أنه يبدل اسم العين فقبل ذلك كان يسمى قفيزا والآن يسمى كرا والمكيل والموزون في حكم شيء واحد ولهذا لو وجد ببعضه عيبا لم يرد بالعيب خاصة والبعض من الشيء الواحد غير كله فعرفنا أن هذا المخلوط حادث بفعل الغاصب حكما فيكون مملوكا له ومن ضرورته صيرورة ملك كل واحد منهما مستهلكا حكما ولهذا ثبت لكل واحد منهما حق التضمين مع إمكان التمييز في الجملة بخلاف الثوب مع الصبغ وإذا صار ملك كل واحد منها مستهلكا تقرر الضمان على الغاصب وذلك يوجب الملك له في المضمون وهذا بخلاف ما إذا حصل الاختلاط من غير صنع أحد فإن المخلوط هناك أيضا هالك إلا أنه لا ضامن له فيكون لأقرب الناس إليه وهما المالكان قبل الخلط ولأن الحكم يضاف إلى المحل عند تعذر إضافته إلى السبب ولأن المحل بمعنى الشرط والحكم يضاف إلى الشرط وجودا عنده كما يضاف إلى السبب ثبوتا به فإذا كان الخلط بفعل آدمي وهو سبب صالح لإضافة الملك إليه في المخلوط يصير مضافا إليه وعند انعدام الفعل يكون مضافا إلى المحل فلهذا كان المخلوط لهما .
ولو غصب من آخر كتانا فغزله ونسجه فعليه مثله أو قيمته إن كان لا يوجد مثله ولا سبيل له على الثوب .
وكذلك إن غصب قطنا فغزله ونسجه أو غصب غزلا فنسجه وهذا عندنا فأما على قول أبي يوسف الآخر وهو قول الشافعي رضي الله عنه فلصاحب الكتان والقطن الخيار على نحو ما بينا في الحنطة إذا طحنها لأنه لا فرق بين الفصلين في المعنى فإن هناك الغاصب فرق الأجزاء المجتمعة بالطحن وهنا جمع الأجزاء المتفرقة بالنسج فكما لا تبدل العين بتفريق المجتمع فكذلك لا تتبدل بجمع المتفرق وهو كما لو غزل القطن ولم ينسجه فإنه لا ينقطع حق صاحب القطن ولكن يثبت له الخيار ولكنا نقول الثوب غير الغزل والقطن صورة ومعنى .
أما الصورة فالغزل خيط ممدود والثوب مؤلف مركب له طول وعرض .
والدليل على المغايرة تبدل الاسم ومن حيث المعنى والحكم الغزل والقطن موزون وهو مال الربا والثوب مذروع ليس بمال الربا وبعد