لأن العقوبة تثبت عليه بالبينة تارة وبالإقرار تارة ثم فيما يثبت بإقراره لا يشترط حضور المولى للاستيفاء فكذلك فيما يثبت بالبينة بل أولى لأن البينة حجة متعدية إلى الناس كافة والإقرار حجة قاصرة في حق المقر خاصة .
وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أن في إقامة الحد عليه تفويت حق المولي فلا يجوز إلا بمحضر منه لأن العبد ليس بخصم عنه والقضاء على غير خصم حاضر بتفويت حقه لا يجوز .
وبيان هذا أن للمولى حق الطعن في الشهود حتى لو كان حاضرا كان طعنه مسموعا ففي إقامة العقوبة تفويت حق المطعون عليه والدليل عليه أن العبد لو كان كافرا ومولاه مسلما لم تقبل شهادة الكفار عليه بالأسباب الموجبة للعقوبة ولو لم يكن للمولى حق في هذه البينة لكان لا يعتبر دينه في ذلك والعبد ليس بخصم عن المولى لأنه خصم باعتبار معنى النفسية ولا حق للمولى في ذلك فلا ينتصب خصما عنه وبه فارق الإقرار فإنه ليس للمولى حق الطعن في إقراره فلا يكون في إقامة العقوبة عليه بالإقرار تفويت حق المولى ولأن وجوب العقوبة عليه باعتبار معنى النفسية ولكن في الاستيفاء إتلاف مالية المولى والبينة لا توجب شيئا بدون القضاء والاستيفاء في العقوبات من تتمة القضاء .
ألا ترى أن المعترض بعد القضاء قبل الاستيفاء يجعل كالمقترن بأصل القضاء حتى يمتنع الاستيفاء به فإذا كان تمام قضائه متناولا حق المولى يشترط حضور المولى في ذلك بخلاف الإقرار فإنه موجب بنفسه قبل قضاء القاضي وولاية الاستيفاء تثبت بتقرر الوجوب فلا يشترط فيه حضور المولى وإذا أخذ العبد الآبق وحبس في بلد فتقدم مولاه إلى قاضي بلدته وأقام عليه شاهدين وطلب أن يكتب به إلى قاضي البلد الذي هو فيه لم يجبه إلى ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ولو فعل لم يقض القاضي المكتوب إليه بذلك الكتاب .
وعلى قول أبي يوسف يجيبه إلى ذلك بطريق يذكره وهو قول بن أبي ليلى .
والحاصل أن كتاب القاضي إلى القاضي في الديون صحيح بالاتفاق وكذلك في العقار لأن إعلامها في الدعوى والشهادة تذكر الحدود دون الإشارة إلى العين وفي العروض من الدواب والثياب لا يجوز كتاب القاضي إلى القاضي بالاتفاق لأنه لا بد من إشارة الشهود إلى العين للقضاء بشهادتهم وذلك ينعدم في كتاب القاضي إلى القاضي فأما في العبيد والجواري فلا يجوز كتاب القاضي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أيضا وهو القياس لأنه لا بد من إشارة الشهود إلى العين ليثبت الاستحقاق بشهادتهم ولهذا لو كان حاضرا في البلدة لا يسمع الدعوى والشهادة إلا بعد