دون مسيرة السفر .
وفي الاستحسان له الجعل على قدر المكان والعناء لأن في مدة السفر وجوب الجعل ليس لعين المدة بل لما يلحق من العناء والتعب في رده وقد وجد بعض ذلك فيستوجب من الجعل بقدره ألا ترى أن المالك لو استأجره بمال معلوم ليرده من مسيرة يوم استحق من المسمى بقدره فكذلك فيما هو ثابت شرعا .
وإن كان أنفق عليه أضعاف مقدار الجعل بغير أمر القاضي فليس له سوى الجعل لأنه متبرع فيما أنفق وإن مات عنده قبل أن يرده أو أبق منه فإن كان أشهد على ذلك حين وجده أنه إنما أخذه ليرده على صاحبه فلا ضمان عليه وإن أقر أنه أخذه لنفسه فهو ضامن وإن ادعى أنه أخذه للرد ولكن ترك الإشهاد مع الإمكان فهو على الخلاف وقد بينا هذا في اللقطة فكذلك في الآبق لأن المعنى يجمعهما وهذا إذا علم أنه كان آبقا فإن أنكر المولى أن يكون عبده آبقا فالقول قوله لأن السبب الموجب للضمان قد ظهر من الأخذ وهو أخذه مال الغير بغير إذنه فهو يدعي ما يسقطه وهو الإذن شرعا لكون العبد آبقا .
ولو ادعى الإذن من المالك له في أخذه وأنكر المالك كان القول قوله فكذلك هنا وعلى هذا لو رده فأنكر المولى أن يكون عبده آبقا فلا جعل له إلا أن يشهد الشهود بأنه أبق من مولاه أو أن مولاه أقر بإباقه فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت معاينة فيجب له الجعل .
وإذا أعتقه المولى في إباقه جاز ذلك لأن نفوذ هذا التصرف يعتمد الملك دون القدرة على التسليم حتى ينفذ في المرهون والمؤاجر والجنين في البطن والمبيع قبل القبض فكذلك ينفذ في الآبق لأن الإباق لا يزيل ملكه وإنما يعجزه عن التسليم ولهذا لو باعه لم يجز لأن البيع لا يصح إلا فيما هو مقدور التسليم للعاقد وقدرته على التسليم تنعدم بالإباق ولأن في بيعه معنى الغرر لأنه لا يعلم بقاؤه في الحال حقيقة ولا عوده ليقدر على التسليم ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر فالغرر لا يمنع نفوذ العتق والتدبير فلهذا صح منه إذا ظهر أنه كان قائما وقت العتق .
ولو وهبه لرجل لم يجز لأن الهبة لا تتم إلا بالتسليم وهو غير قادر على تسليمه فإن وهبه لابن له صغير في عياله فالهبة جائزة وإعلامه بمنزلة القبض لأنه باق في يد مولاه حكما فيصير قابضا للصغير باليد الحكمي الذي بقي له وحق القبض فيما يوهب للصغير إليه وسواء كان الصغير في عياله أو لم يكن لأن الولاية ثابتة له بالأبوة فلا تنعدم بكونه في عيال غيره .
وإنما ذكر قوله في عياله على سبيل العادة لا للشرط وإنما قلنا أنه في يده حكما لأن اليد الحكمي كان له باعتبار ملكه فلا ينعدم