وجه والضال ليس في معنى الآبق فالآبق لا يزال يتباعد من المولى حتى يفوته والضال لا يزال يقرب من صاحبه حتى يجده فلهذا أخذنا فيه بالقياس وإن عوضه صاحبه شيئا فهو حسن لأنه يحسن إليه في إحياء ملكه ورده عليه ! < هل جزاء الإحسان إلا الإحسان > ! الرحمن 60 ولأنه منعم عليه وقال صلى الله عليه وسلم من أزالت إليه نعمة فليشكرها وذلك بالتعويض وأدنى درجات الأمر الندب وإذا وجد الرجل بعيرا ضالا أخذه يعرفه ولم يتركه يضيع عندنا وقال مالك رحمه الله تركه أولى للحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الغنم فقال هي لك أو لأخيك أو للذئب فلما سئل عن ضالة الإبل غضب حتى احمرت وجنتاه وقال مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها .
وتأويله عندنا أنه كان في الابتداء فإن الغلبة في ذلك الوقت كان لأهل الصلاح والخير لا تصل إليها يد خائنة إذا تركها واجدها فأما في زماننا لا يأمن واجدها وصول يد خائنة إليها بعده ففي أخذها إحياؤها وحفظها على صاحبها فهو أولى من تضييعها كما قررنا في سائر اللقطات إلا إذا باع اللقطة بأمر القاضي لم يكن لصاحبها إذا حضر إلا الثمن كما لو باعها القاضي بنفسه وهذا لأن البيع نفذ بولاية شرعية فهو كبيع ينفذ بإذن المالك وإن كان باعها بغير أمر القاضي فالبيع باطل لحصوله ممن لا ولاية له على المالك بغير أمر معتبر شرعا ثم إن حضر صاحبها واللقطة قائمة في يد المشتري يخير بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن وبين أن يبطل البيع ويأخذ عين ماله لأن البيع كان موقوفا على إجازته كما لو كان حاضرا حين باعه غيره بغير أمره فإن كان قد هلكت اللقطة في يد المشتري فصاحبها بالخيار إن شاء ضمن البائع القيمة لوجود البيع والتسليم منه بغير إذنه وإن شاء ضمن المشتري بقبضه ملكه بنفسه بغير رضاه فإن ضمن البائع كان الثمن للبائع لأنه ملكه بالضمان فينفذ البيع من جهته ولكن يتصدق بما زاد على القيمة من الثمن لأنه حصل له بكسب خبيث .
فإن قيل الضمان إنما يلزمه بالتسليم والبيع كان سابقا عليه كيف ينفذ البيع من جهته بأداء الضمان