فتقيد مدة التعريف بالوقت الذي لا يفسد فيه لأن بعد الفساد لا فائدة لصاحبها في إيصالها إليه وقد بينا أن التصدق بها طريق لحفظها على صاحبها من حيث الثواب فيصير إلى ذلك إذا خاف أن تفسد العين .
وإذا وجد شاة أو بعيرا أو بقرة أو حمارا فحبسه وعرفه وأنفق عليه ثم جاء صاحبها وأقام البينة أنه له لم يرجع عليه بما أنفق لأنه متبرع في الإنفاق على ملك الغير بغير أمره إلا أن يكون أنفق بغير أمر القاضي فأما أمر القاضي بمنزلة أمر صاحبها لما للقاضي على صاحبها من ولاية النظر عند عجزه عن النظر بنفسه والأمر بالإنفاق من النظر لأنه لا بقاء للحيوان بدون النفقة عادة فإن رفعها إلى القاضي وأقام البينة أنه التقطها أمره بأن ينفق عليها على قدر ما يرى .
وقد بينا طريق قبول هذه البينة والأمر بالإنفاق بعدها في اللقيط ثم إنما يأمر بالأنفاق نظرا منه لصاحبها فلا يأمر إلا في مدة يتحقق فيها معنى النظر له من يومين أو ثلاثة لأنه لو أمر بالإنفاق في مدة طويلة ربما يأتي ذلك على قيمتها فلا يكون فيها نظر لصاحبها فأما في المدة اليسيرة تقل النفقة ومعنى النظر لحفظ عين ملكه عليه يحصل فإن لم يجيء صاحبها باع الشاة ونحوها لأن في البيع حفظ المالية عليه بالثمن وله ولاية الحفظ عليه بحسب الإمكان فإذا تعذر حفظ العين لعوز النفقة صار إلى حفظ المال عليه بالبيع .
وأما الغلام والدابة فنؤاجره وننفق عليه من أجره لأن بهذا الطريق يتوصل إلى حفظ عين ملكه والمنفعة لا تبقى له بعد مضي المدة فإجارته والإنفاق عليه بمحض نظر له فإذا باعها أعطاه القاضي من ذلك الثمن ما أنفق عليه بأمره في اليومين أو الثلاثة لأن الثمن مال صاحبها والنفقة دين واجب للملتقط على صاحبها وهو معلوم للقاضي فيقضي دينه بماله لأن صاحب الدين لو ظفر بجنس حقه كان له أن يأخذه فكذلك القاضي يعينه على ذلك فإن لم يبعها حتى جاء صاحبها وأقام البينة أنها له قضى له بها القاضي وقضى عليه بنفقة الملتقط فإن قال الملتقط لا أدفعها إليك حتى تعطيني النفقة .
كان له ذلك لأن ملكه في الدابة حي وبقي تملك النفقة فكانت تلك النفقة متعلقة بمالية الدابة من هذا الوجه فيحبسها كما يحبس البائع المبيع بالثمن ولم يذكر في الكتاب أن الملتقط إذا لم يقم البينة هل يأمر القاضي بالإنفاق أم لا والصحيح أنه ينبغي للقاضي أن يقول إن كنت صادقا فقد أمرتك بالإنفاق عليه لأن في هذا معنى النظر لهما ولا ضرر فيه على أحد فإنه إن كان غاصبا للدابة لم يخرج من ضمانه ولا يستوجب الرجوع بالنفقة على مالكها بالأمر لما قيده بكونه صادقا فيه وإذا التقط الرجل لقطة أو وجد دابة ضالة أو أمة أو عبدا أو صبيا حرا ضالا فرده على أهله لم يكن في شيء من ذلك جعل لأنه متبرع بمنافعه في الرد ووجوب الجمل لرد الأبق حكم ثبت نصا بخلاف القياس بقول الصحابة رضي الله عنهم فلا يلحق به ما ليس في معناه من كل