.
وإن كان الملتقط محتاجا فله أن يصرفها إلى حاجة نفسه بعد التعريف لأنه إنما يتمكن من التصدق بها على غيره لما فيه من سد خلة المحتاج واتصال ثوابها إلى صاحبها وهذا المقصود يحصل بصرفها إلى نفسه إذا كان محتاجا فكان له صرفها إلى نفسه لهذا المعنى .
فأما إذا كان غنيا فليس له أن يصرف اللقطة إلى نفسه عندنا .
وقال الشافعي له ذلك على أن يكون ذلك دينا عليه إذا جاء صاحبها لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه كما روينا ولما روي عن علي رضي الله عنه أنه وجد دينارا فاشترى به طعاما بعد التعريف فأكل من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين ولو كان سبيله التصدق ولم يكن للملتقط صرفها إلى منفعة نفسه لما أكلوا من ذلك فإن الصدقة ما كانت تحل لهم .
والمعنى فيه أن للملتقط أن يصرفها إلى نفسه إذا كان محتاجا بسبب الالتقاط وما يثبت له بسبب الالتقاط يستوي فيه أن يكون غنيا أو فقيرا كالحفظ والتعريف والتصدق به على غيره وهذا لأن في الصرف إلى نفسه معنى النظر له ولصاحبها أظهر لأنه يتوصل إلى منفعته ببدل يكون دينا عليه لصاحبها إذا حضر فكان منفعة كل واحد في هذا أظهر .
وحجتنا في ذلك ما روينا من الآثار الموجبة للتصدق باللقطة بعد التعريف ولأن المقصود اتصال ثوابها إلى صاحبها وهذا المقصود لا يحصل بصرفها إلى نفسه إذا كان غنيا بل يتبين به أنه في الأخذ كان عاملا لنفسه ولا يحل له شرعا أخذ اللقطة لنفسه فكما يلزمه أن يتحرز عن هذه النية في الابتداء فكذلك في الانتهاء يلزمه التحرز عن إظهار هذا وقد بينا تأويل حديث أبي فأما حديث علي رضي الله عنه فقد قيل ما وجده لم يكن لقطة وإنما ألقاها ملك ليأخذه علي رضي الله عنه فقد كانوا لم يصيبوا طعاما أياما وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بطريق الوحي فلهذا تناولوا منه على أن الصدقة الواجبة كانت لا تحل لهم وهذا لم يكن من تلك الجملة فلهذا استجاز علي رضي الله عنه الشراء بها لحاجته .
وإذا وجد الرجل اللقطة وهي دراهم أو دنانير فجاء صاحبها وسمى وزنها وعددها ووكاءها فأصاب ذلك كله فإن شاء الذي في يده دفعها إليه وإن شاء أبي حتى يقيم البينة عندنا وقال مالك يجبر على دفعها إليه لأنه لما أصاب العلامات فالوهم الذي سبق إلى وهم كل واحد أنه صاحبه والاستحقاق بالظاهر يثبت خصوصا عند عدم المنازع كما يثبت الاستحقاق لذي اليد باعتبار الظاهر يثبت والملتقط غير منازع له لأنه لا يدعيها لنفسه ولأنه يتعذر على صاحبها إقامة البينة فإنه ما أشهد أحدا عند سقوطها منه ولو تمكن من ذلك لما سقطت منه فسقط اشتراط إقامة البينة للتعذر وتقام العلامة مقام ذلك كما يقام شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال مقام شهادة الرجال