جاء طالب لها محترم تمكن من الخروج مما عليه يدفع مثلها إليه وذكر عن الحسن بن صباح قال وجد رجل لقطة أيام الحاج فسأل عنها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال عرفها في الموسم فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها فإن جاء صاحبها فخيره بين الأجر وبين الثمن يعنى القيمة فإن اختار الثمن فادفع إليه وإن اختار الأجر فله الأجر وفي هذا دليل على أنه ينبغي للملتقط أن يعرفها في الموضع الذي أصابها فيه وأن يعرفها في مجمع الناس ولهذا أمره بالتعريف في الموسم وهذا لأن المقصود إيصالها إلى صاحبها وذلك بالتعريف في مجمع الناس في الموضع الذي أصابها حتى يتحدث الناس بذلك بينهم فيصل الخبر إلى صاحبها وذكر عن أبي إسحاق عن رجل قال وجدت لقطة حين أنفر علي بن أبي طالب رضي الله عنه الناس إلى صفين فعرفتها تعريفا ضعيفا حتى قدمت على علي رضي الله عنه فأخبرته بذلك فضرب يده على صدري وفي رواية قال لي إنك لعريض القفا خذ مثلها فاذهب حيث وجدتها فإن وجدت صاحبها فادفعها إليه وإلا فتصدق بها فإن جاء صاحبها فخيره إن شاء اختار الأجر وإن شاء ضمنك .
ومعنى قوله فعرفتها تعريفا ضعيفا أي عرفتها سرا وما أظهرت تعريفها في مجمع الناس فكأنه طمع في أن تبقي له وعرف ذلك منه علي رضي الله عنه حين ضرب يده على صدره وقال ما قال إنك سليم القلب تطمع في مال الغير وهذا من دعابة علي رضي الله عنه وقد كان به دعابة كما قال عمر رضي الله عنه حين ذكر عليا رضي الله عنه للخلافة أما أنه إن ولي هذا الأمر حمل الناس على محجة بيضاء لولا دعابة به وفيه دليل أن التعريف سرا لا يكفي بل ينبغي للملتقط أن يظهر التعريف كما أمر علي رضي الله عنه الرجل به وأنه ينبغي أن يعرفها في الموضع الذي وجدها لأن صاحبها يطلبها في ذلك الموضع .
وحكي أن بعض العلماء وجد لقطة وكان محتاجا إليها فقال في نفسه لا بد من تعرفها ولو عرفتها في المصر ربما يظهر صاحبها فخرج من المصر حتى انتهى إلى رأس بئر فدلى رأسه في البئر وجعل يقول وجدت كذا فمن سمعتموه ينشد ذلك فدلوه علي وبجنب البئر رجل يرقع شملة وكان صاحب اللقطة فتعلق به حتى أخذها منه ليعلم أن المقدور كائن لا محالة فلا ينبغي أن يترك ما التزمه شرعا وهو إظهار التعريف وبعد إظهار التعريف إن جاء صاحبها دفعها إليه لحصول المقصود بالتعريف وإن لم يجيء فهو بالخيار إن شاء أمسكها حتى يجيء صاحبها وإن شاء تصدق بها لأن الحفظ هو العزيمة والتصدق بها بعد التعريف حولا رخصة فيخير بين التمسك بالعزيمة أو الترخص بالرخصة فإن تصدق بها ثم جاء صاحبها فهو بالخيار إن شاء أجاز الصدقة ويكون له ثوابها وإن شاء اختار الضمان وإذا اختار الضمان يخير بين تضمين الملتقط وبين تضمين المسكين لأن كل واحد منهما في حقه مكتسب سبب الضمان الملتقط بتمليك ماله من غيره بغير إذنه والمسكين يقبضه لنفسه على طريق التمليك وأيهما ضمنه لم يرجع على الآخر بشيء أما المسكين فلأنه في القبض عامل لنفسه فلا يرجع بما يلحقه من الضمان على غيره وأما الملتقط فلأنه بالضمان قد ملك وظهر أنه تصدق بملك نفسه فله ثوابها ولا رجوع له على المسكين بشيء