في اجتهاده فيسقط اعتبار اجتهاده كالقاضي فيما يقضي باجتهاده إذا ظهر النص بخلافه والمتوضىء بماء إذا علم بنجاسته بخلاف ما إذا تيامن أو تياسر لأن هناك لا يتيقن بالخطأ فإن وجه المرء مقوس فإن عند التيامن أو التياسر يكون أحد جوانب وجهه إلى القبلة وأما عند الاستدبار لا يكون شيء من وجهه إلى الكعبة فيتيقن بالخطأ به .
( وحجتنا ) في ذلك قوله تعالى ! < ولله المشرق والمغرب > ! 115 الآية وفي سبب نزولها حديثان أحدهما ما روي عن عبد الله بن عامر رحمه الله تعالى قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة طحياء مظلمة فاشتبهت علينا القبلة فتحرى كل واحد منا وخط بين يديه خطا فلما أصبحنا إذا الخطوط على غير القبلة فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سألناه عن ذلك فنزلت الآية فقال صلى الله عليه وسلم أجزأتكم صلاتكم وفي حديث جابر رضي الله عنه قال كنا في سفر في يوم ذي ضباب فاشتبهت علينا القبلة فتحرى وصلى كل واحد منا إلى جهة فلما انكشف الضباب فمنا من أصاب ومنا من أخطأ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت الآية ولم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة وقال علي رضي الله عنه قبلة المتحري جهة قصده معناه تجوز صلاته إذا توجه إلى جهة قصده والمعنى فيه أنه مؤد لما كلف فيسقط عنه الفرض مطلقا كما لو تيامن أو تياسر وبيان الوصف ما قررناه فيما سبق أن المقصود من طلب الجهة ليست عين الجهة إنما المقصود وجه الله تعالى إلا أنه يؤمر بطلب الجهة لتحقيق معنى الابتلاء وما هو المقصود وهو الابتلاء قد تم بتحريه فيسقط عنه ما لزمه من الفرض ألا تري أن في التيامن والتياسر على وجه لا يجوز مع العلم يحكم بجواز صلاته عند التحري للمعنى الذي قلنا فكذلك في الاستدبار وإيضاح ما قلنا فيما نقل عن بعض العارفين قال قبلة البشر الكعبة وقبلة أهل السماء البيت المعمور وقبلة الكرويين الكرسي وقبلة حملة العرش العرش ومطلوب الكل وجه الله تعالى وهذا بخلاف ما إذا ظهرت النجاسة في الثوب أو في الماء لما قلنا أن ذلك مما يمكن الوقوف على حقيقته ولأن التوضؤ بالماء النجس ليس بقربة فلا يمكن أداء الواجب به بحال فأما الصلاة إلى غير القبلة قربة ألا ترى أن الراكب يتطوع على دابته حيث ما توجهت به اختيارا ويؤدي الفرض كذلك عند العذر أيضا وبنحو هذا فرق في الزكاة أيضا أن التصدق على الأب وعلى الغني قربة ولهذا لا يثبت له حق الاسترداد كما قررنا فأما إذا أعرض عن الجهة التي أدى إليها اجتهاده وصلى إلى جهة أخرى