فعله في حق الذمي قربة يتأدى به الواجب عند الاشتباه ولو تبين أن المدفوع إليه عبده أو مكاتبه لا يجزئه لقصور فعله فإن الواجب عليه بالنص الإيتاء وذلك لا يكون إلا بإخراجه عن ملكه وجعله لله تعالى خالصا وكسب العبد مملوك له وله في كسب المكاتب حق الملك فبقاء حقه يمنع جعله لله تعالى خالصا وهذا بخلاف ما لو تبين أن المدفوع إليه عبد لغني أو مكاتب له فإنه يجزئه وفي حق المكاتب مع العلم أيضا ولا ينظر إلى حال المولى لأن إخراجه من ملكه على وجه التقرب هناك فصار لله تعالى خالصا فأما في عبد نفسه ومكاتبه لم يتم إخراجه عن ملكه وبقاء حقه يمنعه أن يصير لله تعالى خالصا فلهذا لا يسقط به الواجب والأصل في فريضة التوجه إلى الكعبة للصلاة قوله تعالى ! < فول وجهك شطر المسجد الحرام > ! 144 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يصلى إلى بيت المقدس ويجعل البيت بينه وبين بيت المقدس فلما هاجر إلى المدينة اضطر إلى استدبار الكعبة والتوجه إلى بيت المقدس وكان يحب أن تكون الكعبة قبلته كما كانت قبلة إبراهيم صلوات الله عليه فسأل جبريل عليه السلام أن يسأل الله له في ذلك وكان يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بذلك فأنزل الله تعالى ! < قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها > ! الآية ثم لا خلاف في حق من هو بمكة أن عليه التوجه إلى عين الكعبة فأما من كان خارجا من مكة فقد كان أبو عبد الله الجرجاني يقول الواجب عليه التوجه إلى عين الكعبة أيضا لظاهر الآية ولأن وجوب ذلك لإظهار تعظيم البقعة فلا يختلف بالقرب منه والبعد وغيره من مشايخنا رحمهم الله يقول الواجب في حق من هو خارج عن مكة التوجه إلى الجهة لأن ذلك في وسعه والتكليف بحسب الوسع ومعرفة الجهة إما بدليل يدل عليه أو بالتحري عند انقطاع الأدلة فمن الدليل المحاريب المنصوبة في كل موضع لأن ذلك كان باتفاق من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم فإن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا العراق وجعلوا القبلة ما بين المشرق والمغرب ثم فتحوا خراسان وجعلوا قبلة أهلها ما بين المغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف فكانوا يصلون إليها ولما ماتوا جعلت قبورهم إليها أيضا من غير نكير منكر من أحد منهم وكفي بإجماعهم حجة وقد كانت عنايتهم في أمر الدين أظهر من عناية من كان بعدهم فيلزمنا اتباعهم في ذلك ومن الدليل السؤال في كل موضع ممن هو من أهل ذلك الموضع لأن أهل كل موضع أعرف بقبلتهم من غيرهم عادة وقال تعالى ! < فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون > ! 43 ومن الدليل النجوم