10 وذلك بالتحري وغالب الرأي فقد أطلق عليه العلم والسنة قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن ينظر بنور الله وقال صلى الله عليه وسلم فراسة المؤمن لا تخطئ وقال صلى الله عليه وسلم لوابصة ضع يدك على صدرك فالإثم ما حاك في قلبك وإن أفتاك الناس وشيء من المعقول يدل عليه فإن الاجتهاد في الأحكام الشرعية جائز للعمل به وذلك عمل بغالب الرأى ثم جعل مدركا من مدارك أحكام الشرع وإن كان لا يثبت به ابتداء فكذلك التحري مدرك من مدارك التوصل إلى أداء العبادات وإن كانت العبادة لا تثبت به ابتداء والدليل عليه أمر الحروب فإنه يجوز العمل فيها بغالب الرأى مع ما فيها من تعريض النفس المحترمة للهلاك .
( فإن قيل ) ذلك من حقوق العباد وتتحقق الضرورة لهم في ذلك كما في قيم المتلفات ونحوها ونحن إنما أنكرنا هذا في العبادات التي هي حق الله تعالى .
( قلنا ) في هذا أيضا معنى حق العبد وهو التوصل إلى اسقاط ما لزمه أداؤه وكذلك في أمر القبلة فإن التحري لمعرفة حدود الأقاليم وذلك من حق العبد وفي الزكاة التحري لمعرفة صفة العبد في الفقر والغنى فيجوز أن يكون غالب الرأي طريقا للوصول إليه إذا عرفنا هذا فنقول بدأ الكتاب بمسائل الزكاة وكان الأولى أن يبدأ بمسائل الصلاة لأنها مبتدأة في القرآن وكأنه إنما فعل ذلك لأن معنى حق العبد في الصدقة أكثر فإنه يحصل بها سد خلة المحتاج أو لأنه وجد في باب الصدقة نصا وهو حديث يزيد السلمي على ما بينه فبدأ بما وجد فيه النص ثم عطف عليه ما كان مجتهدا فيه ومسئلة الزكاة على أربعة أوجه أحدها أن يعطي زكاة ماله رجلا من غير شك ولا تحر ولا سؤال فهذا يجزيه ما لم يتبين أنه غنى لأن مطلق فعل المسلم محمول على ما يصح شرعا وعلى ما يصح فيه تحصيل مقصوده وعلى ما هو المستحق عليه حتى يتبين خلافه فإن الفقر في القابض أصل فإن الإنسان يولد ولا شيء له والتمسك بالأصل حتى يظهر خلافه جائز شرعا فالمعطى في الإعطاء يعتمد دليلا شرعيا فيقع المؤدي موقعه ما لم يعلم أنه غنى فإذا علم ذلك فعليه الإعادة لأن الجواز كان باعتبار الظاهر ولا معتبر بالظاهر إذا تبين الأمر بخلافه فإن شك في أمره بأن كان عليه هيئة الأغنياء أو كان في أكبر رأيه أنه غنى ومع ذلك دفع إليه فإنه لا يجزيه ما لم يعلم أنه فقير لأن بعد الشك لزمه التحري فإذا ترك التحري بعد ما لزمه لم يقع المؤدي موقع الجواز إلا أن يعلم أنه فقير فحينئذ يجوز لأن التحري كان لمقصود