يكذبه وهو متهم غير ثقة فإن تنزه عن تناوله كان أولى وإن لم يتنزه كان في سعة وفي الماء إذا لم يجد وضوء غيره توضأ به ولم يتمم لأن الشرع جعل القول قول ذي اليد فيما في يده وهذا بخلاف ما سبق لأن هناك المخبر إنما أخبر بملك الغير في المحل وخبره في هذا ليس بحجة وهناك أخبر بحرمة ثابتة في المحل لحق الشرع وخبر الواحد فيه حجة .
( فإن قيل ) الحل والحرمة ليس بصفة للمحل حقيقة وإنما هو صفة للفعل الصادر من المخاطب وهو التناول وقد أخبره بحرمة التناول في الفصلين جميعا .
( قلنا ) هذا شيء توهمه بعض أصحابنا وهو غلط عظيم فإنا لو جعلنا الحرمة صفة للفعل حقيقة ثم توصف العين به مجازا كان مشروعا في المحل من وجه وذلك ممتنع بعد ثبوت حرمة الأمهات وحرمة الميتة بالنص ولكن نقول الحرمة صفة العين حقيقة باعتبار أنه خرج شرعا من أن يكون محلا للفعل الحلال وكذلك حقيقة موجبه النفي والنسخ ثم ينتفي الفعل باعتبار إنعدام المحل لأن الفعل لا يتصور إلا في المحل كالقتل لا يتصور في الميت وكان هذا إقامة العين مقام الفعل في أن صفة الحرمة تثبت له حقيقة ويتضح ذلك بالتأمل في مورد الشرع فإن الله تعالى في مال الغير نهى عن الأكل فإنه قال تعالى ! < ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل > ! إلى قوله ! < لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم > ! 188 فعرفنا أن المحرم هو الأكل وفي الميتة قال تعالى ! < حرمت عليكم الميتة > ! 3 فقد جعل الحرمة صفة للعين وكذلك قال ! < حرمت عليكم أمهاتكم > ! 23 وبمعرفة حدود كلام صاحب الشرع يحسن الفقه وكذلك من حيث الأحكام من قال لامرأته أنت علي كالميتة كان بمنزلة قوله أنت علي حرام بخلاف ما لو قال أنت علي كمتاع فلان فإذا تقرر هذا قلنا الحرمة الثابتة صفة للعين محض حق الشرع فتثبت بخبر الواحد ولهذا لا يسقط إلا بإذن الشرع وحرمة التناول في طعام الغير ثابتة لحق الغير ولهذا يسقط بإذنه وحق الغير لا يثبت بخبر الواحد فلا تثبت الحرمة أيضا ولو أن رجلا مسلما شهد عنده رجل أن هذه الجارية التي هي في يد فلان وهي مقرة له بالرق أمة لفلان غصبها والذي هي في يده يجحد ذلك وهو غير مأمون على ما ذكر فأحب إلي أن لا يشتريها وإن اشتراها ووطئها فهو في سعة من ذلك لأن المخبر مكذب فيما أخبر به شرعا والقول قول ذي اليد أنها مملوكة له فله أن يعتمد الدليل الشرعي فيشتريها وإن احتاط فلم يشترها كان أولى له لأنه متمكن من تحصيل مقصوده بغيرها وبن مسعود رضي الله عنه كان يقول في مثله كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام ولو أخبره أنها حرة الأصل أو أنها كانت أمة لهذا الذي