قصده عند الانفصال إلى دار الحرب القتال لاعزاز الدين وإنما كان قصده التجارة فلا يكون هو من الغزاة وإن كان فيهم إلا أن يقاتل فحينئذ يتبين بفعله أن مقصوده القتال ومعنى التجارة تبع فلا يحرمه ذلك سهمه وقيل نزل قوله عز وجل ! < ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم > ! يعني التجارة في طريق الحج فكذلك في طريق الغزو وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى عن قتل النساء والصبيان والشيخ الكبير الذي لا يطيق القتال والذين بهم زمانة لا يطيقون القتال فنهى عن ذلك وكرهه والأصل فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى امرأة مقتولة ها ما كانت هذه تقاتل فهذا تنصيص على أنها لا تقتل والشيخ الكبير ومن به زمانة بهذه الصفة قالوا وهذا إذا كان لا يقاتل برأيه وأما إذا كان يقاتل برأيه ففي قتله كسر شوكتهم فلا بأس بذلك فإن دريد بن الصمة قتل يوم حنين وكان بن مائة وستين سنة وقد عمى وكان ذا رأي في الحرب .
( قال ) ( وسألته عن أصحاب الصوامع والرهبان فرأى قتلهم حسنا ) وفي السير الكبير مروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنهم لا يقتلون وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله وقيل لا خلاف في الحقيقة فإنهم إن كانوا يخالطون الناس يقتلون عندهم جميعا لأن المقاتلة يصدرون عن رأيهم وهم الذين يحثونهم على قتال المسلمين وإن كانوا طينوا على أنفسهم الباب ولا يخالطون الناس أصلا فإنهم لا يقتلون لأنهم لا يقاتلون بالفعل ولا بالحث عليه وقيل بل في المسألة خلاف فهما استدلا بوصية أبي بكر رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان حيث قال وستلقى أقواما من أصحاب الصوامع والرهبان زعموا أنهم فرغوا أنفسهم للعبادة فدعهم وما فرغوا أنفسهم له والمعنى فيه أنهم لا يقاتلون والقتل لدفع القتال فكانوا هم في ذلك كالنساء والصبيان وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هؤلاء من أئمة الكفر قال تعالى ! < فقاتلوا أئمة الكفر > ! 12 فمعنى هذا الكلام أنهم فرغوا أنفسهم للإصرار على الكفر والاشتغال بما يمنع عنه في الإسلام والظاهر أن الناس يقتدون بهم فهم يحثون الناس على القتال فعلا وإن كانوا لا يحثونهم على ذلك قولا ولأنهم بما صنعوا لا تخرج بنيتهم من أن تكون صالحة للمحاربة وإن كانوا لا يشتغلون بالمحاربة كالمشغولين بالتجارة والحراثة منهم بخلاف النساء والصبيان .
( قال ) ( وسألته عن الرجل يأسر الرجل من أهل العدو هل يقتله أو يأتي به الإمام قال أي ذلك فعل فحسن ) لأن بالأسر ما تسقط الإباحة من دمه حتى يباح للإمام أن يقتله فكذلك يباح لمن أسره كما قبل أخذه