وقال جل وعلا ! < إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم > ! وأحوال الناس متفاوتة فمنهم من يقدر على إقامة الفرض بهما .
ومنهم من يقدر على إقامة الجهاد بالنفس لصحة بدنه ويعجز عن الخروج لفقره والآخر يعجز عن الخروج والجهاد بالنفس لمرض أو آفة ويقدر على الجهاد بالمال فيجهز بماله من يخرج فيجاهد بنفسه حتى يكون الخارج مجاهدا بالنفس والقاعد المعطى المال مجاهدا بالمال والمؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا ولهذا كره بن عباس رضي الله عنهما لقابض المال أن يجعل ذلك في متاع بيته لأن المعطى أمره بالجهاد به وذلك في استعداده له والإنفاق في الطريق على نفسه وهو على وجهين عندنا إن قال هذا المال لك فاغز به فله أن يصرفه إلى ما يشاء لأنه ملكه المال ثم أشار عليه بأن يصرفه إلى الجهاد فإن شاء قبل مشورته وإن شاء لم يقبل .
وإن قال اغز بهذا المال فليس له أن يصرفه إلى متاع بيته ولكن يشتري به الكراع والسلاح وينفق على نفسه في طريق الجهاد وقد بينا نظيره في الحج وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يغزي العزب عن ذي الحليلة ويعطي الغازي فرس القاعد وأنه كان حسن التدبير والنظر للمسلمين فمن حسن نظره هذا أن ذا الحليلة قلبه مع أهله فلا يطيل المقام في الثغر والعزب لا يكون قلبه وراءه فيتمكن من إطالة المقام فلهذا كان يأمر العزب بالخروج .
ومنهم من يروى الأعزب وكان يعطي الغازي فرس القاعد ليكون صاحب الفرس مع زوجته يحفظها ويكون مجاهدا بفرسه والخارج يكون مجاهدا ببدنه ثم منهم من يقول إنما كان يفعل ذلك بالتراضي فأما عند عدم الرضى ما كان يفعل ذلك بل كان يجهز الغازي من بيت المال إن لم يكن مال فإن مال بيت المال معد لذلك والأصح أن نقول للإمام أن يفعل ذلك عند الحاجة فإن لم يكن في بيت المال مال ومست الحاجة إلى تجهيز الجيش ليذبوا عن المسلمين فله أن يحكم على الناس بقدر ما يحتاج إليه لذلك لأنه مأمور بالنظر للمسلمين .
وإن لم يجهز الجيش للدفع ظهر المشركون على المسلمين فيأخذون المال والذراري والنفوس فمن حسن التدبير أن يتحكم على أرباب الأموال بقدر ما يحتاج إليه لتجهيز الجيش ليأمنوا فيما سوى ذلك وهو المراد بما ذكر بعده عن جرير بن عبد الله أن معاوية رضي الله عنه ضرب بعثا على أهل الكوفة فرفع عن جرير وعن ولده وقال جرير رضي الله عنه لا نقبل ذلك ولكن نجعل أموالنا للغازي ومعنى ضرب البعث