بعد ذكر المدة فهو إشارة إلى أن ترك الفيء في المدة عزيمة الطلاق عند مضي المدة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عزيمة الطلاق مضى أربعة أشهر وقد أضاف إلى الزوج فدل أن الطلاق يتم به من غير حاجة إلى قضاء القاضي ومعنى قوله تعالى ! < فإن الله سميع عليم > ! سميع لإيلائه عليم بقصده الإضرار ولأن هذه المدة مدة تربص بعد ما أظهر الزوج من نفسه أنه غير مريد لها فتبين بمضيها كمدة العدة بعد الطلاق الرجعي ولا فرق لأن هناك الزوج بالطلاق يظهر كراهية صحبتها فيصير في المعنى كأنه علق البينونة بمضي المدة قبل أن يراجعها وهنا هو بيمينه يظهر كراهيتها فيصير كأنه علق البينونة بمضى الوقت قبل أن يفيء إليها ولهذا جعلنا الواقعة تطليقة بائنة لأن المقصود دفع ضرر التعليق عنها وذلك لا يحصل بالتطليقة الرجعية ولكن العدة هنا تجب هنا بعد وقوع الطلاق بمضي المدة لأن وقوع الطلاق بعده وهناك الطلاق كان واقعا فجعلنا الإقراء محسوبة من العدة وكذلك لو حلف لا يقربها أبدا لأن القربان متى ذكر مضافا إلى النساء فالمراد به الجماع وإن قال الزوج لم أعن الجماع لم يصدق في القضاء لأنه قصد تغيير اللفظ عن الظاهر المتعارف فلا يصدق في القضاء هنا ولا في الفصل الأول ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأن حقيقة معنى الجماع هو الاجتماع ففيما نوى به مما سوى الجماع هو محتمل فيدين فيما بينه وبين الله تعالى .
وإن حلف لا يدخل عليها وقال لم أعن الجماع فهو مصدق في القضاء لأن الدخول عليها لفظ مشترك يستعمل في الجماع والزيارة وغير ذلك فالمنوي غير مخالف للظاهر وحرف الصلة يدل عليه وهو على فإنه إذا كان المراد الجماع يقال دخل بها وكذلك لو حلف ليغيظنها أو ليسوءنها أو لا يجمع رأسه ورأسها شيء أو لا يمسها وفي نسخ أبي سليمان أو لا يلامسها فهذه الألفاظ تطلق في الجماع وغير الجماع فإن نوى بها الجماع كان موليا وإن نوى غير الجماع لم يكن موليا لأن المولى من لا يتمكن من الجماع في المدة إلا بشيء يلزمه حتى يتحقق إضراره بمنع حقها في الجماع وإن حلف لا يمس جلده جلدها وعنى به حقيقة المس فالحنث هنا يحصل بدون الجماع فلا يكون إيلاء ويمكنه أن يجامعها من غير أن يلزمه شيء بأن يلف آلته في حريرة ثم يدسه فيها وقال في رواية أبي حفص رحمه الله تعالى إذا حلف لا يأتيها وعنى الجماع فهو مول وإن قال لم أعن الجماع صدق في القضاء مع يمينه لأن الإتيان قد يراد به الجماع ويراد به الزيارة أو الضرب فكان اللفظ محتملا والمحتمل لا يوجب شيئا بدون النية وكذلك لو حلف لا يغشاها فهو مدين في القضاء لأن الغشيان يراد به الجماع قال الله تعالى ! < فلما تغشاها > ! ويراد به غير الجماع قال الله تعالى