على أن الهبة تمليك والتمليك يعتمد الرضا والرضا غير حاصل في الهزل .
نعم ذكر في المنح أنه أخذه مما روي عن عبد الله بن المبارك أنه مر بقوم يضربون الطنبور فوقف عليهم وقال هبوه مني حتى تروا كيف أضرب فدفعوه إليه فضربه على الأرض وكسره فقال رأيتم كيف أضرب قالوا أيها الشيخ خدعتنا وذكر هذه الواقعة في الخانية .
ثم قال وإنما قال لهم ذلك احترازا عن قول أبي حنيفة فإن عنده كسر الملاهي يوجب الضمان وهذا دليل على ما مر من أن هبة المازح جائزة .
كذا في فتاوى قاضيخان .
والذي مر هو قوله رجل قال لآخر هب لي هذا الشيء مزاحا فقال وهبت وسلم .
قال أبو نصر إنما يجوز ذلك ا ه .
فهذه هبة صحيحة وقعت مزاحا لأن ابن المبارك بزهده وجلالة قدره لا يناسبه هبة الملاهي فالظاهر أن ذلك وقع على سبيل المزاح وكأنه أخذ الهزل من قولهم خدعتنا لأنهم لو وهبوه قصدا لم يروه خداعا منه وفيه تأمل لأن الإنسان يسمح بالهبة لمن يحتاج الشيء ولا يسمح به لمن يريد كسره فقد رأوه خداعا لهم حيث أوهمهم أنه يستمنح كرمهم وهو يريد إزالة منكرهم على أن فعل ابن المبارك لو سلم أنه كان على طريق الهزل ليس بحجة بل لا بد له من دليل يستند إليه فليطلب ذلك الدليل .
قوله ( بخلاف أطعمتك أرضي الخ ) مفهوم قوله هذا الطعام .
وقدمنا عن الهندية لو قال منحتك هذه الأرض أو هذه الدار أو هذه الجارية فهو إعارة .
ولو قال منحتك هذا الطعام أو هذه الدراهم أو الدنانير وكل ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يكون هبة .
قوله ( فإنه عارية لرقبتها ) بهجر الحقيقة لأن الأرض لا تطعم فهو كمسألة النخلة فإن اليمين تنعقد على ثمرتها وهنا التمليك ينعقد على منفعتها فيكون عارية .
قوله ( وإطعام لغلتها ) أي التي يزرعها المستعير كما تقدم ما يفيده .
قوله ( أو الإضافة الخ ) معطوف على محذوف مأخوذ من الكلام السابق وهو قوله كوهبت الخ فإن الأفعال الثلاثة واقعة على الطعام وهو كل فكأنه قال بإيجاب بإضافة الكل وهو المشار إليه بقوله كوهبت الخ أو الإضافة إلى ما يعبر به عن الكل .
وظاهر عبارة المصنف أنه معطوف على مزاح .
والأوضح في التعبير ولو بالإضافة أي ولو صدر الإيجاب بالإضافة الخ .
تأمل .
قوله ( وجعلته لك ) معطوف على مدخول الكاف في قوله كوهبت .
قوله ( لأن اللام للتمليك ) ولأن الجعل عبارة عن التمليك .
قاله قاضيخان .
قوله ( بخلاف جعلته باسمك ) فإنه يحتمل الهبة ويستعمله البياع كثيرا يريد إني خبأته لك البيع وكذا هي لك حلال يحتمل أن يكون بالعارية أو الهبة أو البيع فلا تثبت الهبة مع الاحتمال إلا بالقرينة وهي التي عناها بقوله إلا أن يكون الخ .
قال في البحر قيد بقوله لك لأنه لو قال جعلته باسمك لا يكون هبة ولهذا قال في الخلاصة لو غرس لابنه كرما إن قال جعلته لابني يكون هبة ولو باسم ابني لا يكون هبة .
ولو قال اغرس باسم ابني فالأمر متردد وهو إلى الصحة أقرب .
ا ه .
قال في المنح وفي الخانية قال جعلته لابني فلان يكون هبة لأن الجعل عبارة عن التمليك وإن قال اغرسه باسم ابني لا يكون هبة وإن قال جعلته باسم ابني يكون هبة لأن الناس يريدون به التمليك والهبة ا ه .
وفيه مخالفة لما في الخلاصة كما لا يخفى .
قال الرملي في حاشية المنح ما في الخانية أقرب لعرف الناس ا ه .
ورأيت في الولوالجية ما نصه رجل له ابن صغير فغرس كرما له فهذا على ثلاثة أوجه إن قال اغرس هذا الكرم باسم ابني فلان أو قال جعلته