جعل النظار له حيلة إذا أرادوا أن يجعلوا في القرية أمينا يحفظ زرعها ويقررون له على ذلك جعلا وهي أن يأمروه بعقد السلم ويستلموا من الوكلاء على ما هو مقرر لهم باطنا فالغلة المسلم فيها تثبت في ذمة الوكيل ولو صرفها من غلة الوقف ضمنها ولو صرف مال المسلم على المستحقين لم يرجع به في غلة الوقف وكان متبرعا لأنه صرف مال نفسه في غير ما أذن له فيه تخريجا عن المسألة السابقة لأنه توكيل بقبول السلم .
هذا حاصل ما ذكره شراح الوهبانية في هذا المحل وقد صعب علي فهم هذا الكلام ولم يتلخص منه حاصل مدة طويلة حتى فتح المولى بشيء يغلب على ظني أنه هو المراد في تصوير هذه الحيلة في المسألة الثانية .
وهي أن شخصا يكون ناظرا على وقف فيريد أن يجعل أمينا قادرا عليه بحيث ينتفع هو عاجلا والأمين آجلا فإذا أخذ من الأمين شيئا على ذلك ليقوم مقامه ويأخذ مستغلات الوقف بدلا عن الجعل فهو لا يجوز لأنه بيع الوكالة في المعنى لما علمت أن الناظر وكيل الواقف وهذا يفعل في زماننا كثير في المقاطعات والأوقاف ويسمونه التزامات فإذا تحيل له بهذه الحيلة وهي أن يأخذ الناظر من الأمين مبلغا معلوما سلما على غلة الوقف ليصرفه ويأخذ منه ما عينه له الواقف من العشر مثلا ويستغل ذلك الأمين غلة الوقف على أنه المسلم فيه ليحصل للناظر نفع بنظارته وللأمين بأمانته فهو أيضا لا يجوز لأن الناظر وكيل عن الواقف فكأنه صار وكيلا عن الواقف في قبول عقد السلم وأخذ الدراهم على الغلة الخارجة وقد علمت أن الجائز التوكيل بعقد السلم لا بقبوله فإذا أخد الدراهم وصرفها على المستحقين يكون متبرعا صارفا من مال نفسه وثبتت الغلة في ذمته فيلزمه مثلها هذا ما ظهر لي .
ثم لا يخفى أن هذا كله إنما يكون بعد بيان مقدار المسلم فيه مع سائر شروط السلم وإلا فيكون فساده من جهة أخرى كما لا يخفى والله تعالى أعلم .
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى .
قوله ( به ) أي بقبول السلم .
قوله ( من يجعله ) أي متولي الوقف بمقابلة جعل يتراضيان عليه كما علمت .
قوله ( أمينا ) مفعول يجعل .
قوله ( فيأمره بعقد السلم ) فيما يخرج من حبوب أرض الوقف وهذا هو محط الفائدة وإنما لم يجز لما علمت .
قوله ( ويستلم ) أي يقبض قدر ما تراضيا عليه من الجعل بجعله أمينا على القرية .
قوله ( لأنه ) أي متولي الوقف .
قوله ( لا يصح بيعها ) أي الوكالة التي هي أمانة فلا يصح التزام الجعل في مقابلتها أي ولا الحيلة التي اصطنعها لأن التوكيل في قبول الاستلام باطل .
قوله ( وتمامه في شرح الوهبانية ) حاصله أنه فيه أربع مسائل الأولى التوكيل بالسلم جائز كالبيع والشراء وهي معروفة وتقدمت .
الثانية لا يجوز التوكيل بقبول عقد السلم وقد علمته مما تقدم أيضا .
الثالثة قيم الوقف وكيل الواقف والوكالة أمانة لا يصح بيعها إلى آخر ما تقدم أيضا .
الرابعة يجوز للقيم أن يسلم من ريعه في زيته وحصيره بمنزلة الوكيل بعقد السلم ورأس المال وإن ثبت في ذمته فهو مأمور بدفع بدله من غلة الوقف وليس المراد ثبوته في ذمته متأخرا فيفسد العقد بل المراد أنه كالمترتب في الذمة ثم يعطيه يكون بدلا عما وجب كما تقدم واستغفر الله العظيم .
$ باب عزل الوكيل $ من إضافة المصدر إلى فاعله أو مفعوله وأخره عن الوكالة لما أنه يقتضي سبق ثبوتها وهو رافعها فناسب