قال في البزازية وأصله أن التوكيل بلا رضا الخصم من الصحيح المقيم طالبا كان أو مطلوبا وضيعا أو شريفا إذا لم يكن الموكل حاضرا في مجلس الحكم لا يصح عند الإمام أي لا يجبر خصمه على قبول الوكالة وعندهما والشافعي يصح أي يجبر على قبوله وبه أفتى الفقيه وقال العتابي وهذا هو المختار وبه أخذ الصفار انتهى ويأتي تمامه .
أقول ويقول أبي حنيفة أفتى الرملي قائلا وعليه المتون واختاره غير واحد والمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة وأبو الفضل المعلى ورجح دليله في كل مصنف فلزم العمل به ولا سيما في هذا الزمان الفاسد كما في الخيرية .
أقول لكن العمل الآن على صحة التوكيل وإن لم يرض به الخصم وبه صدر أمر السلطان نصره الرحمن كما في 1516 من المجلة .
قوله ( وجوازه بلا رضاه ) قال في الهداية ولا خلاف في الجواز وإنما الخلاف في اللزوم ومعناه أنه إذا وكل من غير رضاه هل يرتد برده أو لا فعند أبي حنيفة نعم وعندهما لا ويجبر فعلى هذا يكون قوله لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضا الخصم مجازا لقوله ولا يلزم ذكر الجواز وأراد اللزوم فإن الجواز لازم للزوم فيكون ذكر اللازم وأراد الملزوم وفيه نظر لأنا لا نسلم أن الجواز لازم للزوم عرف ذلك في أصول الفقه سلمناه لكن ذلك ليس بمجاز والحق أن قوله لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضا الخصم في قوة قولنا التوكيل بالخصومة غير لازم بل إن رضي به الخصم صح وإلا فلا حاجة إلى قوله ولا خلاف في الجواز وإلى التوجيه بجعله مجازا لهما أن التوكيل تصرف في خالص حقه أي في حق الموكل وهذا لأنه وكله إما بالجواب أو بالخصومة وكلاهما حق الموكل فإذا كان كذلك فلا يتوقف على رضا غيره كالتوكيل بتقاضي الديون أي بقبض الديون لأنه وكله بالجواب والخصومة لدفع الخصم عن نفسه وذلك حقه لا محالة والتصرف في خالص حقه لا يتوقف على رضا غيره كالتوكيل بالتقاضي أي بقبض الديون وإيفائها ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أنا لا نسلم أنه تصرف في خالص حقه فإن الجواب مستحق على الخصم ولهذا يستحضره في مجلس القاضي والناس يتفاوتون في الخصومة وفي جوابها فرب إنسان يصور الباطل بصورة الحق ورب إنسان لا يمكنه تمشية الحق على وجهه فيحتمل أن الوكيل ممن له حذق في الخصومات فيتضرر بذلك الخصم فيشترط رضاه والمستحق للغير لا يكون خالصا له سلمنا خلوصه له لكن تصرف الإنسان في خالص حقه إنما يصح إذا لم يتضرر به غيره وها هنا ليس كذلك لأن الناس متفاوتون في الخصومة .
فلو قلنا بلزومه أي التوكيل بالخصومة لتضرر به الخصم فيتوقف على رضاه كالعبد المشترك إذا كاتبه أحد الشريكين فإنها تتوقف على رضا الآخر وإن كان تصرفا في خالص حقه لمكان ضرر الشريك الآخر بين أن يرضى به وبين أن يفسخه دفعا للضرر عنه فيتخير بين القضاء والفسخ وعلى هذا فإذا كانت الوكالة برضا الخصم كانت لازمة بالاتفاق فلا ترتد برد الخصم ويلزمه الحضور .
والجواب بخصومة الوكيل وإذا كانت بلا رضاه صحت ولكن يقبل عند الإمام الارتداد برده ولا يلزمه الحضور والجواب بخصومة الوكيل كما في الشروح .
قوله ( والمختار للفتوى تفويضه للحاكم ) أي القاضي بحيث أنه إذا علم من الخصم التعنت في الإباء عن قبول التوكيل لا يمكنه من ذلك وإن علم من الموكل قصد الإضرار لخصمه بالحيل كما هو صنيع وكلاء المحكمة