أنهم شهدوا بزور ونقبل لو شهدوا على الجرح المركب مثل إنهم زنوا ووصفوا الزنا أو شربوا الخمر أو سرقوا مني كذا ولم يتقادم العهد أو إني صالحتهم بكذا من المال على أن لا يشهدوا علي بالباطل وأطلب رد المال منهم ففي هذا إثبات حق لله تعالى وهو الحد أو إثبات حق العبد وهو المال بخلاف ما قبله لأنه ليس فيه إثبات فعل خاص موجب للحد بل غايته أن عادتهم فعل الزنا أو نحوه فهو جرح مجرد وقد قال في القنية هنا إن الشهادة على الجرح المرجد لا تصح بل تصح إذا ثبت فسقه في ضمن ما تصح فيه الخصومة كجرح الشهود اه .
فهذا يفيد أن ما بين سببه كتقبيل أجنبية مثلا جرح مجرد لأنه ليس في ضمن ما تصح فيه الخصومة ولهذا أورد المصنف وغيره هناك أن إقرارهم بشهادة الزور موجب للتعزير وهو من حقوقه تعالى .
وأجاب بأن الظاهر بأن مرادهم بحقه تعالى الحد لا التعزير لأنصه يسقط بالتوبة فليس في وسع القاضي إلزامه به بخلاف الحد فإنه لا يسقط بها .
قلت والتحقيق أنه يفرق بين البابين بأن المراد بالمجرد هنا ما لم يبين سببه وغير المجرد ما بين له سبب موجب لحق الله تعالى من حد أو تعزير أو لحق العبد والمراد بالمجرد في باب الشهادة ما لم يوجب حدا أو حق عبد وغير المجرد ما ثبت في ضمن ما تصح فيه الخصومة من حق لله تعالى أو للعبد .
ووجه الفرق أن المقصود هنا إسقاط التعزير عن القاذف بإثبات ما يوجب صدقه لا إثبات فسق المقذوق ابتداء فلذا اكتفى ببيان السبب الموجب لفسقه ولم يكتف بالمجرد عنه لاحتمال ظن الشاهدين ما ليس بموجب للفسق مفسقا .
وأما في باب الشهادة فإن المقصود إثبات فسق الشاهد ابتداء لأن القاضي يبحث أولا عن عدالته ليقبل شهادته فإذا برهن الخصم على جرحه كان المقصود إثبات فسقه لتسقط عدالته لأن الجرح مقدم على التعديل وإثبات الفسق مقصودا إظهار الفاحشة .
وقد قالوا إنه مفسق لشهود الجرح فلا تقبل شهادتهم إلا إاذ كان في ضمن إثبات حق تصح فيه الخصومة لأنه لم يصر مقصودا بإظهار الفاحشة بل يثبت ضمنا ولا يدخل في الحق هنا التعزير لما مر عن المصنف .
فالحاصل أن ما يوجب التعزير جرح مجرد في باب الشهادة لا هنا فيقبل هنا بعد بيان سببه لا هناك لما علمت ويدل على ما قلنا ما صرحوا به هناك من أن الجرح المجرد إنما لا يقبل لو كان جهرا لأنه إظهار للفاحشة أما لو كان سرا فإنه يقبل وكذا ما صرحوا به أيضا من أنه لا يقبل إذا كان بعد التعديل كما اعتمده المصنف ومشى عليه يقبل القاضي شهادتهم ولذا يقبل الجرح سرا من واحد ولو كان شهادة لم يقبل ولهذا لو عدلوا بعد الجرح تثبت عدالتهم وتقبل شهادتهم ولو كان الجرح سرا شهادة مقبولة لسقطوا عن حيز الشهادة ولم يبق لهم مجال التعديل فثبت أنه إخبار لا شهادة .
ونظيره سؤال القاضي المزكين عن الشهود فصار الحاصل أن الجرح المجرد لا يقبل في باب الشهادة إذا كان على وجه الشهادة جهرا بعد التعديل وإلا قبل .
وأما في باب التعزير فإنه يقبل بعد بيان سببه ويخرج بذلك عن كونه مجردا .
تنبيه سيأتي أن التعزير يثبت بشهادة المدعي مع آخر وبشهادة عدل إذا كان في حقوقه تعالى لأنه من باب الإخبار وظاهر كلامه هنا أنه لا بد من شاهدين غيره لأن تعزير القاذف ثبت حقا للمقذوف فإذا ادعى القاذف فسق المقذوف لا تكفي شهادته لنفسه فلا بد من إقامة البينة على صدق القاذف ليسقط عنه التعزير الثابت حقا للمقذوف بخلاف ما كان حقا لله تعالى هذا ما ظهر لي في هذا المقام والسلام .
قوله ( وأراد إثباته ) أي لإسقاط الحد عنه .
قوله ( لثبوت الحد ) أي فكان الجرح ثابتا ضمنا لا قصدا فلم يكن مجردا لكن المناسب التعليل ببيان السبب ويؤيد ما مر قبل هذا الباب عن قوله ( الملتقط ) من أنه لو أقام أربعة فساقا يدرأ الحد عن القاذف والمقذوف والشهود