@ 310 @ وعليه الأصحاب ، وينقل عن الأصمعي ، وابن الأنباري ، وذلك لأن الله سبحانه بدأ بالفقراء ، والعادة البداءة بالأهم ، لا يقال : فالغارم أسوأ حالا من الفقير ، لأنه اجتمع عليه الدين مع الفقر ، لأنه نقول : الغارم قد يكون غنياً ، كالغارم لإِصلاح ذات البين ، فلذلك أخر ، وأيضاً قوله تعالى : 19 ( { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } ) فسماهم مساكين ، مع أن لهم سفينة ، لا يقال : سماهم مساكين لضعفهم عن الدفع عن سفينتهم ، بدليل 19 ( { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } ) لأنا نقول : إطلاق المساكين يقتضي الحاجة دون الدفع ، فيكون هذا هو الظاهر ، والحمل على الظاهر متعين ، ما لم يعارضه ما هو أقوى منه . .
2375 ولأن النبي استعاذ من الفقر . .
2376 وسأل المسكنة فقال : ( اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني من زمرة المساكين ) . .
2377 وما يقال : إنه إنما استعاذ من فقر القلب ، بذلك ( ليس الغنى عن كثرة العرض ، وإنما الغني غنى النفس ) ويجاب عنه بما تقدم ، والحق أن الظاهر أنه إنما استعاذ من فقر القلب ، لأنه هو المذموم ، المطلوب عدمه ، إذ من افتقر قلبه لا يزال حزيناً ذليلًا ، وإن حصل له من الدنيا ما عسى أن يحصل ، أما من افتقر في المال ، وحصل له غنى النفس ، فهو راض بما أعطاه ربه ، محب له ، صابر ، فهو الفقير الصابر ، [ وهذا أمر في الحقيقة مطلوب ، فكيف يستعاذ منه ، والظاهر أن سؤاله المسكنة إنما هي الصفة التي يخرج بها عن هيئة المتكبرين ، والمتطاولين ، فيكون ] خاضعاً لربه ، ) $ ) $ ) $ $ 19 ( $ 19 ( $ 19 ( ذليلًا له ، وهو مقام العبودية . .
2378 وفي الأثر 16 ( أنه سبحانه أوحى إلى موسى : إذا قمت بين يدي فقدم مقام الذليل الحقير . وكذلك أوحى إلى موسى : إذا قمت بين يدي فقم مقام الذليل الحقير . وكذلك أوحى إلى عيسى عليهما الصلاة والسلام ) انتهى . .
وأيضاً فالاشتقاق يناسب ما قلناه ، إذ ( الفقير ) مشتق من : فقر الظهر . فعيل بمعنى مفعول ، أي مفقور ، وهو الذي نزعت فقرة ظهره ، فانقطع صلبه ، ( والمسكين ) مفيل من السكون ، وهو الذي أسكنته الحاجة ، ومن كسر صلبه أشد حالًا من الساكن ، ذكر ذلك ابن الأنباري ، وأما قوله سبحانه : 19 ( { أو مسكيناً ذا متربة } ) أي الملتصق بالتراب ، المطروح عليه ، فقال ابن الأنباري : لما نعته الله بهذا علمنا أنه ليس كل مسكين بهذه الصفة ، بل الأغلب عليه أن يكون له شيء ، فنعته بذلك أخرجه عن بقية المساكين . انتهى . أو يقال ) : المراد بالمسكين هنا الفقير ، إذ كل منهما يسمى فقيراً