@ 400 @ .
قال : والعدل من لم تظهر منه ريبة . .
ش : من هنا أخذ القاضي وغيره أن مذهب الخرقي قبول مستور الحال ، لعدم ظهور الريبة منه ، وليس بالبين ، لما تقدم له من أنه إذا شهد عنده من لم يعرف حاله سأل عنه ، فدل على أن كلامه هنا فيمن عرف حاله . .
إذا تقرر هذا فالعدل هو الذي تعتدل أحواله وأقواله ، وأصله في اللغة الاستقامة ، والاعتدال ضد الاعوجاج ، والريبة التهمة ، فمتى ظهرت منه تهمة لم يعتدل ، لكن قد يقال : إن ظاهر هذا أن مجرد التهمة ولو بصغيرة تخرجه عن العدالة ، والمشهور خلاف هذا ، وأن العدالة يعتبر لها شيئان ( أحدهما ) الصلاح في الدين ، وهو أداء الفرائض كالصلاة ، والزكاة ونحو ذلك ، وقد نص أحمد على رد شهادة من لم يؤد الزكاة واحتناب المحارم ، وقد ضبط ذلك بأنه لا يرتكب كبيرة وقد تقدم تفسيرها ، لأن اللَّه سبحانه نهى أن تقبل شهادة القاذف ، فيقاس على ذلك كل من ارتكب كبيرة ، وقد نص أحمد على رد شهادة آكل الربا ، والعاق وقاطع الرحم ، ومن أخرج أسطوانة أو كنيفاً في طريق المسلمين ، وكذلك من ورث ذلك حتى يرد ما أخذ من الطريق ولا يد من على صغيرة ، كإدمان نظرة محرمة ونحو ذلك ، وقد اختلف عن أحمد في رد الشهادة بالكذبة الواحدة ، ولعل ذلك للتردد في أنها هل هي صغيرة أو كبيرة . .
3844 واستدل أحمد للمنع بأن النبي رد شهادة رجل في كذبة وجعل ابن حمدان الروايتين في الكذب ، وأورد ذلك مذهباً ، وفيه نظر ، ولا يمنع مجرد وجود الصغيرة ، لقول اللَّه سبحانه [ ب 2 ] 19 ( { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } ) [ ب 1 ] قيل : المراد الصغائر ( الشيء الثاني ) المروءة ، وهي اجتناب الأمور الدنيئة ، التي تزري به كالأكل في السوق ، كأن ينصب مائدة ويأكل عليها ، ولا يضر أكل الشيء اليسير كالكسرة ، ونحوها أو كأن يكشف ما جرت العادة بتغطيته من يديه ، أو يمد رجليه في مجمع الناس ، أو يتمسخر بما يضحك الناس به ، أو يخاطب امرأته أو سريته بحضرة الناس بالخطاب الفاحش ، أو يحدث الناس بمباضعته لهما ، ونحو ذلك من الأفعال الدنيئة التي يجتنبها ذوو المروءات ، وإنما اعتبر ذلك في الشهادة وإن لم يكن حراماً ، لأن مرتكبه لا تحصل الثقة بقوله ، لأن من فعل ذلك لا يمتنع غالباً من الكذب ونحوه ، ومن ثم قلنا : من داوم على ترك السنن الراتبة ردت شهادته لا لارتكابه محرماً ، بل لأن من هذه حاله لا يؤمن أن يترك شيئاً من الفرائض . .
3845 وقد روي عن النبي أنه قال : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) أي من لم يستح صنع ما شاء ، واختلف في الصنائع الدنيئة هل مرتكبها مخل بالمروءة كالزبال ، والحجام ، والحائك ، والحارس