@ 346 @ .
ش : قد ذكر الخرقي رحمه الله الحكم وذكر دليله ، وهو أن اللحم لا يخلو من شحم ، فالحالف لا يأكل الشحم يمينه تشمل كل شحم ، وهذا شحم فيدخل في يمينه ، وقال عامة الأصحاب : لا يحنث ، لأن وجود هذا والحالة هذه كالعدم ، فاليمين لا تتناوله عرفاً . .
( تنبيه ) استنبط أبو محمد من هذا أن الشحم عند الخرقي كل ما يذوب بالنار ، قال : وهذا ظاهر قول أبي الخطاب ، وقول طلحة ، قال : ويشهد له ظاهر الآية والعرف ، وبنى على هذا أنه يحنث بأكل الألية ، وقال القاضي وغيره : إن الشحم هو الذي يكون في الجوف ، من شحم الكلى أو غيره ، فعلى هذا لا يحنث بأكل الألية واللحم الأبيض ، ونحو ذلك ، وهذا هو الصواب ، وقد تقدم أن الآية لا تدل على ما ادعاه ، وأن العرف عكس هذا والله أعلم . .
قال : وإن حلف أن لا يأكل لحماً ولم يرد أكل لحم بعينه ، فأكل من لحم الأنعام أو الطائر أو السمك حنث . .
ش : أما إذا أكل من لحم الأنعام أو الطائر فلا نزاع فيما نعلمه في حنثه ، لدخول المحلوف عليه ، وهو اللحم حقيقة وعرفاً ، وأما إذا أكل من لحم السمك ففي الحنث به وجهان ، المشهور منهما وهو اختيار الخرقي والقاضي ، وعامة أصحابه الحنث ( والثاني ) وهو اختيار ابن أبي موسى عدمه ، ولعله الظاهر ، لأن لحم السمك وإن كان لحماً حقيقة ، بدليل قوله تعالى : 19 ( { لتأكلوا منه لحما طريا } ) وقوله تعالى : 19 ( { ومن كل تأكلون لحما طريا } ) إلا أن أهل العرف خصصوا ذلك ، كما خصصوا لفظ الدابة بذوات الأربع ، وصاروا لا يسمونه لحما ، وإنما يسمونه سمكا ، ولهذا لا يكادون يقولون إذا أكلوا سمكاً : أكلنا لحماً . وإنما يقولون : سمكاً ، ولا ريب أن العرف ناسخ للحقيقة اللغوية ، إذ هي بالنسبة إليه مجاز ، ولعل هذا الخلاف مبني على أنه هل وصل إلى حد النقل أم لا ؟ فيكون الخلاف في تحقيق المناط ، والظاهر وصوله ، لأن ضابط المنقول أن يتبادر الذهن عند الإطلاق للمنقول إليه ، ولا ريب أن إطلاق اللحم لا يفهم منه عند الإطلاق السمك اه . .
وظاهر إطلاق الخرقي أنه يحنث بأكل كل لحم ، فيدخل في ذلك اللحوم المحرمة ، كلحم الخنزير ونحوه ، وهو أشهر الوجهين ، وبه قطع أبو محمد ، لدخوله في مسمى اللحم حقيقة وعرفاً ( والثاني ) لا يدخل ذلك ، لأن قرينة حال المسلم تقتضي أنه لا يريد ذلك ، والقرائن تخصص ، وينبغي على هذا التعليل في كلام الخرقي أيضاً لحم الخد ، ولحم اللسان ، وقد تقدم الكلام على ذلك ، والله أعلم . .
قال : وإذا حلف أنه لا يأكل سويقاً فشربه ، أو لا يشربه فأكله حنث ، إلا أن يكون له نية .