ولو لم يكن كذلك لكان العقلاء مستغنين عن الله بالعقل فيرتفع عنهم الخوف والرجاء ويصيرون آمنين من الخذلان وهذا تجاوز عن درجة العبودية وتعد عنها ومحال من الأمر إذ ليس من الحكمة أن ينزل الله تعالى أحدا غير منزلته فإذا أغنى عبيده عن نفسه فقد أنزلهم غير منزلتهم وجاوز بهم حدودهم .
ولو كان هذا هكذا لاستوى الخلق والخالق في معنى من معاني الربوبية والله تعالى ليس كمثله شيء في جميع المعاني .
وقال بعضهم العقل على ثلاثة أوجه .
عقل مولود مطبوع وهو عقل ابن آدم الذي به فضل على أهل الأرض وهو محل التكليف والأمر والنهي وبه يكون التدبير والتمييز .
والعقل الثاني هو عقل التأييد الذي يكون مع الإيمان معا وهو عقل الأنبياء والصديقين وذلك تفضل من الله تعالى .
والعقل الثالث هو عقل التجارب والعبر وذلك ما يأخذه الناس بعضهم من بعض ومن هذا قول من قال ملاقاة الناس تلقيح العقول .
وقال بعض أهل المعرفة مقدار العقل في المعرفة كمقدار الإبرة عند ديباج أو خز فإنه لا يمكن لبس ديباج ولا خز إلا أن يخاط بالإبرة فإذا خيط بالإبرة فلا حاجة بها إلى الإبرة .
كذلك تضبط المعرفة بالعقل لا أن المعرفة تحصل من العقل أو تثبت به .
واعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الاتباع والمأثور تبعا للمعقول