(546) ومعنى قوله " سقط في أيديهم " وقع البلاء في أيديهم أي وجدوه وجدان من يده فيه، يقال: ذلك للنادم عندما يجده مما كان خفي عليه، ويقال أيضا: سقط في يديه أي صار الذي كان يضربه في يديه. ومعنى قوله " ورأوا " علموا " أنهم قد ضلوا " وتبينوا بطلان ماكانوا عليه من عبادة العجل والكفر والضلال، لان ما تعلق به الرؤية، لايجوز أن يكون مدركا بالبصر، وهو معنى الجملة، وإنما يصح أن يعلم وأن يدخل على الجملة، وهي في تقدير المفرد، ومتى ظهر فساد الاعتقاد، فلابد أن يندم صاحبه عليه، لانه لا معنى للاقامة عليه مع توافر الدواعي إلى خلافه، كما أنه لامعنى أن يكذب على نفسه مع علمه بكذبه، غير أنه مع ظهور الضلالة لهم لم يكونوا ملجئين إلى الندم، لان الالجاء يقع إما بالعلم بالمنع أو تخوف من المضرة العاجلة أو النفع العظيم العاجل الذي مثله يلجئ، ولم يكن القوم على واحد من الامرين، لانهم كانوا مكلفين للندم. وفي الاية دلالة على بطلان قول من يقول لا محجوج الا عارف، لان الله وصفهم بأنهم سقط في أيديهم عندما رأوا من ضلالهم، فدل على أنهم كانوا محجوجين في ترك الضلال الذي إن لم يغفر لهم هلكوا. وقوله " لئن لم يرحمنا ربنا ويغفرلنا " أخبار عما قال القوم حين تبينوا ضلالهم وسقط في أيديهم والتجائهم إلى الله واعترافهم بأنه ان لم يغفر لهم ربهم ويتغمدهم بمغفرته يكونوا من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بما يستحقونه من العقاب الدائم. وقال الحسن: كلهم عبدوا العجل إلا هارون بدلالة قول موسى " رب اغفر لي ولاخي " (1) ولو كان هناك مؤمن غيرهما لدعا له، وقال الجبائي: إنما عبد بعضهم بدلالة ماورد من الاخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله) فيما روي عنه في هذا المعنى. ـــــــــــــــــــــــ (1) آية 150 من سورة الاعراف.