(536) وقوله " لن تراني " جواب من الله تعالى لموسى أنه لايراه على الوجه الذي سأله، وذلك دليل على أنه لايرى لافي الدنيا ولافي الاخرة، لان (لن) تنفي على وجه التأييد، كما قال " ولن يتمنوه أبدا " (1) وهذا إنما يمكن أن يعتمده من قال بالجواب الاول، فأما من قال: انه سأل العلم الضروري أو علما من أعلام الساعة لايمكنه أن يعتمده، لان ذلك يحصل في الاخرة، فيجري ذلك مجرى اختصاص الرؤية بالبصر على مذهب المخالف بحال الدنيا. وقوله تعالى " فإن استقر مكانه فسوف تراني " معناه إن استقر الجبل في حال ماجعله دكا متقطعا فسوف تراني، فلما كان ذلك محالا لان الشئ لايكون متحركا ساكنا في حال واحدة، كانت الرؤية المتعلقة بذلك محالة، لانه لا يعلق بالمحال إلا المحال. وقوله " فلما تجلى ربه للجبل " معناه ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل لحاضري الجبل بأن " جعله دكا ". وقيل: إن الله تعالى أبرز من ملكوته ما تدكدك به إذ في حكمه أن الدنيا لا تقوم لما يبرز من الملكوت الذي في السموات، كما قيل: إنه ابرز ألخنصر من العرش، ويجوز أن يكون المراد " فلما تجلى ربه " لاهل الجبل، كما قال " واسأل القرية " (2) والتجلي هو الظهور، ويكون ذلك تارة بالرؤية، وأخرى بالدلالة، قال الشاعر: تجلى لنا بالمشرفية والقنا * وقدكان عن وقع الاسنة نائيا وإنما أراد الشاعر أن تدبيره دل عليه حتى علم أنه المدبر لذلك وأن تدبيره صواب، فقال تجلى أي علم، ولم ير بالابصار، ولا أدرك بالحواس، لانه كان عن وقع الاسنة نائيا، ولكن استدل عليه بحسن تدبيره. وقال قوم: معناه فلما تجلى بالجبل لموسى قالوا: وحروف الصفات تتعاقب فيكون (اللام) بمعنى (الباء). وقال قوم: لو أراد موسى الرؤية بالبصر لقال أرينك أو أرني نفسك، ولايجوز غير ذلك في اللغة. ـــــــــــــــــــــــ (1) سورة 62 الجمعة آية 6. (2) سورة 12 يوسف آية 82.